دلتا القاش ..
المشروع الذي كان..!
مستشفى أروما
مدير المستشفى: لدينا طبيب واحد فقط ونستقبل (60 ) مريضاً في اليوم
موظفة: أدوية بالمخازن منذ 5 سنوات، وبمبادرة من إدارتها مشجعي كرة قدم قضوا ليلتهم بالمستشفى
“””
المدير: المرضى والمرافقين يشربون من “ماسورة في الحوش”، والمستشفى بحاجة لصيانة عامة
هذا التحقيق يصلح (عرضحال) وطني، هذه المرة عن طريق استعراض معاناة المواطن الصحية، ونذهب في لتوضيح بجلاء كيف تواطأت الحكومات المتعاقبة على تدمير تلك المشاريع النضرة وكيف قتلت بلا رحمة، جراء ذلك كل أمل للمواطنين في غدٍ أفضل.. هذه المنطقة التي وقفنا على حالاها المزري البائس كانت درة ذات يوم يأتيها عيشها رغداً من كل جانب، لكنها اليوم تبدَّلت لأسوأ حال، لم تدع لأصحابها سوى الحسرة وما تبقى من الذكريات بعد أن تجرعت مرارة الفشل وأخفقت كل محاولات إنقاذ المشروع (الذي كان) وآخرها محاولة منظمة (إيفاد) لإعادته إلى سابق عهده.. مشروع دلتا القاش الذي كان ملء السمع والبصر في السنين الخوالي تحوَّل بفعل السياسات الخرقاء ليصبح أثراً بعد عين، كيف حدث هذا ومن هو المسؤول؟.
تحقيق: نور الدين جادات
المستشفى
يعتبر مستشفى أروما، هو أكبر مستشفى بمنطقة دلتا القاش، ويعتبر مرجعاً في مجال الصحة بالمنطقة، بحيث يظل الخيار الوحيد أمام مواطني مناطق مشروع دلتا القاش وما جاورها أو الذهاب إلى مدينة كسلا التي تبعد كيلو مترات.
مرضى.. وآهات
من مدخل المستشفى يتضح للزائر بجلاء بؤس المكان، فالمستشفى رغم إتساعها إلا أن هناك صالة واحدة تضج بالمرضى والمرافقين، النساء والأطفال أكثر مرتادي المستشفى مايعني تفشي أمراض الطفولة بالمنطقة، وهو ما كان يستدعي جهد أكبر، المستشفى مجهز ببنية تحتية تؤهله لأن يكون من مصاف المشافى بشرق السودان لولا الإهمال الكبير في المستشفى.
مرضى خارج العنابر
باحة المستشفى المتسعة يوجد بها عدد كبير من المواطنين في تجمعات، فتجد الأسر تحت الأشجار في انتظار مريضهم، لكن ما لا تتوقعه هو أن تجد مريضاً خارج العنبر، هو كذلك ما رأيته بالضبط ، فالمسن الذي أنهكه المرض يجلس بنصف ملابس تحت شجرة بجوار حديقة المستشفى ما يجعلك تشعر بالشفقة تجاه المرضى بالمستشفى ومستقبلهم.
غياب الأطباء
بؤس الحياة والظروف يبدو جلياً في الشخوص الموجودين، فالمرض قد أنهك الأجساد النحيلة وضنك الحياة والمشقة يظهر على جبينهم، أحد الواقفين في الصالة التي تنتهي بباب مغلق بدأ يتأفف من هذا الوضع، اتجهت نحوه وسألته عن الطبيب أجاب: نحن هنا منذ الثامنة صباحاً ولم يحضر الطبيب حتى الآن أثناء حديثه أكاد لا أسمع صوته من بكاء الأطفال المحيط بالمكان، سألته عن هل هي المرة الأولى التي يزور فيها المستشفى؟ أجاب: بأنها الرابعة خلال هذا الأسبوع ونفس الحال، فالموظفون في حالة عدم انضباط خصوصاً الطبيب، دخل أحد الأشخاص إلى الصالة فسأله محدثي: “أنت الليلة الدكتور دا وين؟” أجاب الرجل بأنه سيتحقق من الأمر وسيتصل خلال لحظات، عند سؤالي عن الشخص اكتشفت أنه المدير الإدارى بالمستشفى تبعته حتى مكتب بعيد من الصالة ثم دخلت خلفه المكتب.
طبيب ومدير..في آن واحد
جلس مدير المستشفى بمكتبه، سلمت عليه واستفسرني عن هويتي، أفصحت عن نفسي ثم جلسنا، للأمانة بدأ مهموماً بأمر المستشفى، إلا أنه ارتبك في الإجابة عل كثير من الأسئلة، بدأ المدير الإداري للمستشفى في شرح عام للمستشفى، ذكر بأن المستشفى بها” 8 “عنابر، وصيدلية، إضافة إلى معمل وعيادة أسنان، سألته عن الأطباء أجاب بأن المستشفى بها طبيب واحد فقط، تعجبت من الأمر وزاد دهشتي بأن الطبيب هو المدير الطبي نفسه سألته، وكانت الساعة حينها التاسعة والربع صباحاً، ما الذي يجعل الطبيب العمومي يتأخر حتى الآن أجاب بأن التأخير ليس من عوائده، لكن ربما حدث أمر ما، ثم بدأ الاتصال به، استفسرته عن سكنه، فكانت المفاجأة أن المدير الطبي يسكن بالمستشفى نفسها، انتظرت لاحقاً حتى الساعة الحادية عشر صباحاً، ولم يأت الطبيب حتى خروجي من المستشفى.
ماسورة الحوش
المستشفى يتميز بمباني تاريخية كبيرة، وذات سعة كبيرة، فهو تم تخطيطه على طراز المستشفيات العالمية، إلا أنه الآن مهجور، يكاد يكون يعمل بنسبة أقل من المتوسط بحسب حديث الموظفة “س.أ” التي بدأت الحديث بحنق عن ما آل إليه حال المستشفى بقوله: أنا أعمل بالمستشفى من سنين بحكم أني من بنات أروما، لكن الحال كما ترى لا يعجب، فالمستشفى إن صحت التسمية أنه مستشفى، فهو يعاني من إهمال بالغ، فكما ترى يمكن أن يكون مستشفى مرجعي لجميع هذه المناطق، لكن لا توجد أي رعاية، فالمستشفى الآن يفتقر إلى بنك دم، لأن بنك الدم لا يعمل الآن وهو بحاجة إلى” كولر” تخيَّل كولر للمياه فقط تعجز إدارة المستشفى، وحتى المحلية عن استجلابه، ومرضى المستشفى يشربون “من ماسورة في الحوش” فلك أن تتخيل الأمر.
معوقات
مدير المستشفى استعرض خلال حديثه لـ” التيار” المعوقات التي يواجهها المستشفى وأقر بأن المستشفى لا تمتلك “كولر” للمياه، وأن المرضى يشربون من “الماسورة الفي الحوش” بجانب ذلك ذكر بأن جميع مباني المستشفى بحاجة إلى الصيانة، والأهم من ذلك هو شبكة الصرف الصحي التي لا تصلح لأن تكون لمستشفى.
مستشفى بلا أطباء
عندما طرحت على مدير المستشفى شكاوى المواطنين، تحدث عن بعضها فيما تعمد عدم الإجابة على البعض، وأكتفى بقائمة أسماء طلب مني أن أشكرهم على جهودهم بالمستشفى ولولاهم لما كانت بهذا المستوى حتى، أغلب الشخصيات التي ذكرها من أبناء منطقة أروما بالخرطوم أو خارج السودان، لكنه عاد إلى أن هناك نقص حاد في الكوادر الطبية بالمستشفى، فالمستشفى لا يوجد بها فني أشعة وتخدير، وأن الحاجة كذلك لاختصاصيين، إلا أن هناك اختصاصي زائر يقوم بإجراء العمليات يومي الأحد والخميس.
مفاجأة محزنة
الموظفة “س.أ” بدأت ملمة بما يدور في المستشفى، وقالت: إن عنبر الولادة فقط هو الذي يعمل بشكل جيد وقسم التأمين الصحي، لكن جميع الأقسام الأخرى إما متوقفة أو لا تعمل، وكانت المفاجأة هو حديثها الذي طلبت مني أن أحاول رؤيته هو قولها: بمخزن المستشفى الآن معدات طبية وأدوية منذ خمسة أعوام، ولم يتم إخراجها، فهي موجودة داخل المخزن وأرجح أن أغلبها انتهت مدة صلاحيته ولا نعرف لماذا لا تستخرج للاستعمال.
“التيار” تتوصل للمخزن
بعد حديث الموظفة عن حجم الأدوية بالمخزن من خمسة أعوام، دون استخراجها حاولت جاهداً الوصول للمخزن لتقصي الأمر، لم أستطع لأن المخزن مغلق تماماً، لكن من خلال محاولة احتفظ بتفاصيلها تمكنت رؤية ماهو داخل المخزن، فحديث الموظفة بدأ صحيحاً، فالأدوية والمعدات الطبية بكراتين وسراير داخل المخزن بكمية كبيرة وبصورة عشوائية، ما يجعل التساؤلات مشروعة عن ما الجدوى من منع مواطنين بسطاء الاستفادة من هذه المعدات طالما أنها جلبت للمستشفى.
حاجة عاجلة
ويضيف: بجانب “كولر” المياه الذي تحتاجه المستشفى بشكل عاجل، كذلك تحتاج لمولد كهرباء، فهي بدون مولد، إضافة إلى تهيئة منازل العاملين والعنابر بصيانة وتوصيل الكهرباء، بجانب أن الموظفة “س.أ” ذكرت أن المدير الإداري بلا منزل حتى الآن.
تردد عالٍ
المدير الطبى كشف بأن المستشفى برغم النقص الحاد في الكوادر والأدوية، إلا إنه يستقبل نسبة تردد عالية، ففي اليوم الواحد يستقبل أكثر من 60 مريضاً، هذا العدد الهائل بحاجة إلى رعاية، وإمكانيات المستشفى غير قادرة على توفيرها، وذكر مدير مستشفى أروما أن المرضى المترددين على المستشفى أغلبهم “ملدوغي” العقارب والثعابين لانتشارها في المنطقة، بجانب الملاريا وهي تنتشر بنسبة مخيفة، إضافة إلى الحالات الالتهابية، لكن المستشفى تعاني من شح في أدوية مصل الأفاعي والعقارب، وهي ستتوفر، لكن المشكلة الأكبر هي في الكادر البشري، فالأجهزة متوفرة لكن تحتاج للاختصاصيين والسراير بالمستشفى متوفرة، وهناك فائض، فالمستشفى استقبلت جمهور مباراة سواكن والهلال أروما وقضوا الليلة في سراير المستشفى.
من المسؤول
من خلال الجولة بدا جلياً أن المستشفى في حالة تردٍ عام يقابله عدم مسؤولية من الحكومة بالمنطقة ووزارة الصحة. فالمواطن عثمان سعيد، شن هجوماً لاذعاً على معتمد أروما، ووصفه بعدم الإيفاء بمسؤولياته تجاه المنطقة، وقال: إن المستشفى يجب توفير هذه المعينات الأساسية له عبر توفير دعم مباشر له، وقال سعيد: يمكن للمعتمد أن يقول إنها خارج مسؤولياتي، لكن الأخلاق تقتضي أن يتابعها بصورة شخصية، لأنه ممثل للحكومة، فكيف لمستشفى في العالم أن يكون به طبيب واحد وغياب للعمليات الكبيرة، أو أنه يتم إجراؤها دون مختص تخدير.
رسوم
المستشفى برغم ما ذكر إلا أن المواطنين في حالة تدافع حوله لانعدام البديل أمام مواطن أروما وما جاورها أو الذهاب إلى كسلا، مع الوضع في الاعتبار حالة المواطن الاقتصادية وظروفه السيئة، بالرغم من ذلك المستشفى تفرض رسوماً، وصفها المدير بالرمزية وهي كالآتي: جنيهان رسوم دخول،” 100″جنيه لعملية الولادة، “120 “جنيهاً للعمليات الكبيرة.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة التيار