الخرطوم – ظلت جماعة الإخوان بالسودان، منذ عزلها عن الحكم، في حالة تخبط مستمرة، محاولة العودة إلى المشهد بواجهات مختلفة، دون أن تحقق الشيء الكثير على هذا الصعيد.
وفي خطوة جديدة للتسلل إلى النسيج المجتمعي استغل الإخوان غضب الشارع السوداني على تردي الأوضاع الاقتصادية لإعادة التسويق لأنفسهم، رغم أن الوضع الذي يشهده البلد هم من يتحملون المسؤولية الكبرى عنه، في ظل عقود من الحكم.
وجاء التحرك الإخواني عبر الدعوة إلى تعزيز العمل الدعوي والخيري، وهو البوابة التي طالما تسلل منها الإخوان لاختراق المجتمعات.
وقالت “الحركة الإسلامية” في السودان التي تعد المرجعية لحزب “المؤتمر الوطني” الحاكم في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، الثلاثاء، إنها تعود إلى محاضنها في المجتمع، داعية كوادرها إلى “النهوض لنصرة الحق وقهر الباطل”.
جاء ذلك في رسالة صوتية بعث بها علي أحمد كرتي الأمين العام المكلف للحركة، لكوادر الحركة في التسجيل الذي تم بثه عبر مواقع التواصل، يقول فيها “فلتنهضوا لنصرة الحق وقهر الباطل وإصلاح حال البلاد وأهلها، ولتتسابقوا في طريق الخيرات وتتحد صفوفكم وتجتمع إرادتكم وتتحرك كوامن قوتكم لاقتلاع الباطل دونما تردد”.
وأضاف “فلتتكاتف سواعدكم وتجعلوا آياديكم في خدمة المجتمع وصيانة كرامته وسد حاجته ونجدة ملهوفه مع المحافظة على إرثه الطيب”.
وتابع “أنتم شهود على اصطفاف الحق وأهله وتراكم الخبيث وأهله، رغم ما تتعرض له الحركة من كيد وتهديد ومطاردة واعتقال لإخوة كرماء وقادة شرفاء، فك الله أسرهم وفرج كربتهم”.
وأشار إلى أن الحركة الإسلامية تعود “إلى محاضنها في المجتمع ومواقفها للمدافعة عن الحق وأهله وصمودها في وجه” من سماهم “أعداء الله والوطن والعملاء والمأجورين”، الذين “يسوقون البلاد كل يوم من فشل إلى فشل، ولا يأبهون بعيش المواطن، بل يعبرون به من حالة الكفاف إلى حالة العوز والمهانة”.
ويبدو من خلال هذه الرسالة أن الحركة الإخوانية تسعى للتسويق لواجهتها الجديدة من خلال تبني خطاب ناقد للحكومة الانتقالية بتحميلها مسؤولية الفشل، في حين أن ما تشهده البلاد نتيجة تراكمات الفساد والفشل في إدارة الشأن العام طيلة ثلاثة عقود تحت حكم الرئيس المعزول عمر البشير (1989 ـ 2019).
وبدأ السودان، في 21 أغسطس 2019، مرحلة انتقالية بعد الإطاحة بحكم البشير الذي قبض على مفاصل السلطة طيلة عقود، عانى خلالها السودانيون الكثير على المستوى الاقتصادي والحقوقي، فضلا عن الحروب التي خاضها السودان ولا تزال آثارها قائمة في عدد من الأقاليم.
ويرى مراقبون أن رسالة كرتي تعد بمثابة خطوة إلى الوراء من “الحركة الإسلامية”، وهي دعوة لكوادر الحركة إلى التخلي عن تصدر الواجهة السياسية، الذي تواصل لعقود في عهد البشير والعودة لتكثيف العمل الدعوي والخيري في المجتمع عوضا عن ذلك.
واعتبر هؤلاء أن تلك الخطوة تأتي خيارا استراتيجيا لمواجهة الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها، مثل الاعتقالات في صفوف قيادتها، وللحفاظ على حيويتها في بنية المجتمع السوداني.
واعتادت جماعة الإخوان تغيير جلدها في كل مرحلة والتخفي خلف واجهات جديدة، ولكن هذه المرة يحرمها تاريخها الذي صاحب حكمها للسودان، من تسويق نفسها مجددا في المشهد.
وجاءت كلمة كرتي تحريضية عزف فيها على وتر الاضطرابات الاجتماعية ليغازل المحتجين، وليحث أنصار الحركة الإسلامية على التحرك واستعادة السيطرة على الشارع في مواجهة السلطة الانتقالية.
وقال في إشارة إلى المسؤولين الحاليين “عمدوا إلى تخريب الاقتصاد وتشريد العمالة وتمزيق المجتمع وتدمير التعليم وتخريب مرافق الصحة، بعد أن استهدفوا عقيدة الأمة وأخلاقها”.
وتأتي كلمة كرتي بينما تظاهر المئات بالعاصمة الخرطوم وعدة محافظات الثلاثاء، لليوم الخامس على التوالي احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية.
وأفاد شهود بأن المئات من المتظاهرين خرجوا في شوارع الخرطوم ومدن بورتسودان والقضارف (شرق) والضعين (غرب)، استجابة لدعوات من عدة جهات بينها “لجان المقاومة”.
وتكونت “لجان المقاومة” في المدن والقرى السودانية عقب اندلاع احتجاجات 19 ديسمبر 2018، وكان لها الدور الأكبر في إدارة التظاهرات بالأحياء والمدن حتى عزل الرئيس عمر البشير.
وأفاد الشهود بإغلاق متظاهرين عددا من الشوارع في الخرطوم عبر المتاريس وإشعال إطارات السيارات. كما شوهدت قوات من الجيش وهي تغلق الشوارع الرئيسية والفرعية المؤدية إلى محيط القيادة العامة في الخرطوم، بناقلات الجند والحواجز الأسمنتية الكبيرة.
ويعاني السودان أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية (غير الرسمية) إلى أرقام قياسية، في ظل شح في السيولة والنقد الأجنبي.