الخرطوم: الزين عثمان
اعتقلت سلطات حكومة ولاية شرق دارفور محمود موسى مادبو ناظر عموم الرزيقات ومحمد أحمد الصافي ناظر عموم المعاليا، قرار التوقيف لم يقف عند النظار وحدهم وإنما شمل عددا من العمد من القبيلتين في خطوة استهدفت من خلالها السلطات المحلية إيقاف نزيف الدم المنهمر بين المجموعتين، في ذات السياق فإن من المحتمل أن يكون قد وصل (المتحفظ) عليهم إلى الخرطوم أمس وقال أحد القيادات الأهلية إن السلطات تعاملت معهم بمنتهى التقدير. وتمضي تفاصيل الخبر للقول بأن ثمة لقاء سيجمع الوفدين برئيس الجمهورية من أجل إيجاد حل أخير للأزمة التي عاودت إزهاق الأرواح في الأسبوع الفائت.
خطوة السلطات المحلية في ولاية شرق دارفور يمكن قراءتها في إطار السعي من أجل إيقاف الموت المجاني أو (سمبلة) بالمدلول الشعبي وذلك بتوقيف (الزعامات) هناك لكنها في المقابل لا تضع الإجابات حول السؤال المتعلق بـ(كيف)؟ المؤكد أن الصراع الدامي بين المعاليا والرزيقات لم يشتعل في الأسبوع الماضي وأن الموتى الذين سقطوا كانوا امتداداً لأرواح سابقة أزهقت بذات الطريقة دون أن يخرج من بين المتخاصمين من يقول (حسبكم كفى!).. بدخول شهر أغسطس للعام 2017 يكون النزاع الدامي بين المجموعتين قد دخل عامه الرابع من نزيف الدم المتواصل والجرح يغرس سيفه في الجرح السابق.. طوال السنوات الفائتة لم يكن نداء الموت يخفت إلا ليرتفع من جديد.. والهدوء الذي يحدث مؤكد هو الهدوء الذي يسبق العاصفة.
المعاليا والرزيقات في العاصمة كلاكيت المرة الرابعة عقب الأحداث.. فقبل وصولهم أمس كانت المجموعتان قد هبطتا في العاصمة لبحث الحل المستحيل لثلاث مرات.. حيث تم الانخراط في ورش داخل معسكر الكهرباء بأبي حراز جنوب الخرطوم في العام 2014، لكن الاجتماع انفض دون الوصول إلى اتفاق وبعده كان ثمة اجتماع آخر في مدينة (الفولة) وفيه حدث ما حدث في الخرطوم حيث انتهى إلى اللا شيء بعدها حزم المختلفون حقائبهم باتجاه (مروي) أقصى الشمال حيث قضوا هناك أسبوعين وبرعاية مباشرة من رئيس مجلس الوزراء الفريق بكري حسن صالح.. ما حدث في مناطق أخرى تكرر في مروي حين وقع طرف على مسودة الاتفاق ورفض الطرف الآخر التوقيع على مسودة الاتفاق الأخير.
ما يحدث الآن يؤكد على فرضية واحدة مفادها أن الموت بالصراع القبلي أزمة أعيت من يداويها وأنها تبدو بلا حلول في الأفق القريب، وبعد فشل ثلاث محاولات سابقة هل تنجح المحاولة الرابعة فى وقف إراقة الدماء بين الإخوة الألداء؟
آلاف الضحايا سقطوا مؤخراً عبر بندقية (القبيلة) وهو الأمر الذي دفع برئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار السيد الصادق المهدي للقول إن واحدا من أهم أسباب عودته للبلاد هو المساهمة في التقليل من الصراعات ذات البعد القبلي وخلق حالة من التصالحات تساهم في رتق النسيج الاجتماعي.. ما قال به ررئيس الوزراء السابق في ثمانينيات القرن الماضي لطالما كررته القيادات السياسية في الدولة وهي تعلن أنه لابد من حسم التفلتات القبلية. وذلك عبر استخدام كل الوسائل المتاحة لها.
ما يحدث الآن في ولاية شرق دارفورر يؤكد على أن الحكومة بدأت في اتخاذ خطوات جديدة وذلك من خلال تبنيها لنهج آخر العلاج الكي، حيث تؤكد الأخبار المنقولة من هناك أن سياسة من الحسم بدأت تطفوا على السطح وذلك بتوقيف عدد من المتفلتين حيث تنقل مصادر أنه بالأمس القريب تم ترحيل 132 فردا إلى مدينة بورتسودان وهو أمر ينسجم مع خطوات أخرى تعلقت هذه المرة بنشر حوالي أربعة آلاف من الجيش في المنطقة وذلك لتحقيق ذات الغاية وهي إعادة السلام والاستقرار للمنطقة كما أن توقيف كل المنخرطين في النزاع هي استراتيجية المرحلة الراهنة.
يرى مراقبون لمشهد النزاع الدائر الآن وطبقا للفعل الرسمي الذي تم تبنيه أن الأمر وفقا لاستخدام سياسة الحسم من شأنه أن يضع النهاية لهذه المشكلة، بل إن بعضهم أشار إلى أن هذه الخطوة تأخرت أكثر مما ينبغي، فلو أن السلطات تحركت منذ بدء الأزمة وسعت حثيثاً لإعادة هيبة الدولة وسلطتها لكان الأمر قد ساهم في الحفاظ على أرواح الضحايا ولما استمرت الأزمة أربع سنوات كاملة وهي تحصد الأرواح دون توقف، وأنه في اللحظة التي تكون فيها قوة الدولة اعظم من قوة المتنازعين مؤكد أن الكفة ستميل لصالح السلام والاستقرار وهو ما يبدو ماثلاً على السطح الآن.
قد تبدو لدى الكثيرين أن سياسة الحسم الرسمي هي السياسة المطلوبة الآن وأنه بالإمكان أن تحقق نتائج إيجابية على أرض الواقع وهو ما يبرز الآن فبعد الاشتعال سرعان ما عادت الأمور إلى الهدوء وأن عاصفة (المتفلتين) تذروها الرياح السمية الآن, لكن الأمر لا يبدو نهائياً حيث أنه بالإمكان أن تعود الأوضاع إلى مربع المواجهة الأول في حال لم تنجح استراتيجيات نزع السلاح وجعله محتكراً للقوات الرسمية وحدها وهو ما أكدت عليه وزارة الدفاع التي أكدت على حرصها على فرض هيبة الدولة وجمع السلاح من المواطنين حتى ولو أدى ذلك لاستخدام القوة.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي