السودان الان

تدخل عدد من الدول الإقليمية والدولية في سباق كبير لحل الأزمة بين الخرطوم وأديس أبابا وسط تساؤلات إلى أي مدى ستنجح هذه المبادرات في الحل وهل التقاطعات الموجودة بالإقليم والتعنت الأثيوبي ستساهم في التهدئة أم أن الأزمة تكمن في التنسيق المصري السوداني لمواجهتها وأن أي طرف خارجي مجرد عامل مساعد.. تنافس المبادرات

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

 

القاهرة: صباح موسى
تشهد الأيام القليلة الماضية سباقا كبيرا حول نزع فتيل الأزمة بين السودان وأثيوبيا سواء على مستوى سد النهضة أو الاشتباكات الدائرة على الحدود بين البلدين، وتبنت كل من جنوب السودان والسعودية والاتحاد الأفريقي، ووعدت الإمارات بالتدخل في مكالمة تليفونية مع وزيرة الخارجية الدكتورة مريم الصادق. فإلى أي مدى يمكن أن تنجح هذه المبادرات في مجابهة التعنت الأثيوبي؟

مبادرة السعودية
الرياض أعلنت مبادرتها في زيارة أحمد قطان، وزير الدولة للشؤون الأفريقية بالخارجية السعودية مؤخرا، والتي أكد فيها أن المملكة تسعى إلى إنهاء أزمة ملف سد النهضة، لما يضمن حقوق الدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا، مشيرا إلى أن السعودية تقف بقوة مع الأمن العربي المائي، وكشف قطان في تصريحات صحفية عقب لقائه رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك أثناء الزيارة أن السعودية ستدعو لقمة خاصة في الوقت المناسب بمنظومة البحر الأحمر امتدادا للميثاق الذي يضم 8 دول، الذي وقع في 29 أكتوبر الماضي بالمملكة العربية السعودية، والخاص بالمحافظة على أمن البحر الأحمر، والذي سيعود بالنفع على هذه الدول.

 

أبوظبي ولبات
في الأثناء ناقش وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في اتصال هاتفي مع وزيرة الخارجية الدكتورة مريم الصادق المهدي آخر تطورات سد النهضة، وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية، إن المكالمة ‏تناولت تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين، فضلاً عن مناقشة التطورات في المنطقة، بما في ذلك آخر المستجدات في ملف سد النهضة، وشرحت الوزيرة رؤية السودان الهادفة لتحقيق حل سياسي دبلوماسي كسبي. في الوقت نفسه وصل الخرطوم قبل أيام محمد حسن لبات مبعوث الاتحاد الأفريقي لبحث أزمة الملف الحدودي بين السودان وأثيوبيا، وكان قد أعلن السودان على موافقته بوساطة جوبا لحل الأزمة بين الخرطوم وأديس أبابا، كما وافقت الخرطوم على كل مبادرات الحل إيمانا منها بأن الحل الدبلوماسي والحوار هو أفضل السبل للوصول إلى تفاهمات بين البلدين بعيدا عن الحرب وأضرارها على البلدين وعلى المنطقة.

عدو الوقت
هاني رسلان مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال من جانبه إن الحديث عن عدم تأثر مصر والسودان من عملية بناء سد النهضة لا يطلقه إلا جاهل أو متعمد تغييب الحقيقة، وأوضح أن بيان الدكتور أحمد القطان، وزير الدولة السعودي للشؤون الأفريقية، حول دعم الأمن القومي المائي للدول العربية في إشارة لأزمة سد النهضة لم تكن المرة الأولى، قائلًا إنه لم يتضح حتى الآن ما هو الدور الذي سوف تلعبه المملكة في الملف، وأضاف رسلان في تصريح صحفي بالقاهرة أمس (السبت) أنه سبق وأعلنت الإمارات عن الوساطة وذهب وفد إثيوبي لمدة 10 أيام ولم يعلن نتائج زيارته في إشارة للتعنت الإثيوبي في المفاوضات، لافتًا إلى أن إثيوبيا تطلق التصريحات التي تستفز الجانب السوداني والمصري، في الوقت الذي تمضي في الملء الثاني للسد، سواء توصلت الأطراف المتصارعة لاتفاق أولا، مشددا على ضرورة التنسيق بين القاهرة والخرطوم أكثر مما يحدث حاليًا، لافتا إلى أن عنصر الوقت هو العدو الأول لدولتي المصب خصوصًا مع تعنت الجانب الإثيوبي، وأشار إلي أن السودان أعلنتها صريحة وترغب في الوساطة بينها وبين أديس أبابا، وهو ما سبق وسعت إليه القاهرة في 2018 وعرف بوثيقة واشنطن ولكن الخرطوم لم توقع وقتها.

لا ترغب في الوساطة
وقال الدكتور محمود أبو زيد وزير الري المصري الأسبق، إن التعنت الإثيوبي مستمر حول ضرورة التفاوض والوصول لاتفاق نهائي قبل عملية الملء الثاني أيا من كان الطرف المفترض توسطه في نقاط الخلاف، مشيرًا إلى أن أثيوبيا لا ترغب في الوساطة الدولية، وتطيل أمد المفاوضات عبر الاتحاد الأفريقي لفرض الأمر الواقع، مضيفا أن مصر قدمت الكثير من خلال إعلان مبادئ في 2015 وتقبلت دولتا المصب المشروع، وحرصا على توقيع اتفاق قانوني يضمن حقوقهم المائية، ومع ذلك ترفض أديس أبابا الاعتراف بحقوقهم المائية والمعاهدات القديمة، ما يعني أن فرص التفاوض ضئيلة للغاية، وأشار أبو زيد إلى أن صعوبة الأزمة تتمثل في الخلافات السياسية وليست الفنية، وقال إن الأمور الفنية يمكن تقريب وجهات النظر بين الطرفين.

وساطة تركيا
في المقابل طلبت إثيوبيا من تركيا التدخل في نزاعها مع السودان والمساهمة في حل الأزمة الحدودية القائمة، ووفقا لوكالة الأناضول التركية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي إن بلاده ستشعر بالامتنان، في حال توسطت تركيا بينها وبين السودان، من أجل حل النزاع الحدودي القائم، وأشار دينا مفتي في حديث له مع الأناضول خلال زيارته إلى تركيا، إلى إمكانية حل الأزمة الحدودية بين البلدين في منطقة الفشقة الحدودية، بالطرق الدبلوماسية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية إن أديس أبابا لا تفكر في الحرب في الوقت الحالي، مضيفا: سنشعر بالامتنان إذا عرضت تركيا القيام بدور الوساطة بيننا، حيث أن الحدود السودانية الإثيوبية تشهد توترات منذ فترة.
كروت ضغط
من الواضح أن أديس أبابا لا تريد حلا لأزمتها مع السودان في الحدود ولا مع السودان ومصر في أزمة سد النهضة، فطلبها من تركيا تحديدا يؤكد ذلك، فكيف يكون الوسيط على خلاف كبير وحاد بين دولتي المصب، ويبدو أن أثيوبيا لن تكف عن أسلوب المراوغة بكل الطرق والسبل، وأنها سوف تلعب بكل كروت الضغط والفتنة للضغط تارة، وإحداث الوقيعة بين القاهرة والخرطوم تارة أخرى، وموضوع تسريب خطاب للبعثة المصرية داخل أروقة الاتحاد الأفريقي ليس ببعيد، فإثيوبيا التي أرادت من إشاعة أن الاتحاد الأفريقي يقر بمصرية حلايب وشلاتين في هذا التوقيت، بالتأكيد تلاعب أثيوبي خبيث لإيقاع الفتنة بين البلدين، وهو ما نفاه الاتحاد الأفريقي، ولن تسلم القاهرة والخرطوم من مثل هذه الألاعيب إلا إذا نسقت تنسيقا كاملا للوقوف أمام هذه الحيل الأثيوبية.

خط أحمر
النائب البرلماني المصري علاء عصام الجعودي وجه رسالة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد طلب إثيوبيا وساطة تركيا في الأزمة مع السودان. وقال الجعودي نتمنى ألا تنسى الخط الأحمر الذي وضعه لك الرئيس المصري في ليبيا قبل أن تفكر في الوساطة بين إثيوبيا والسودان، وتابع ردا على استعانة إثيوبيا لتركيا في حربها مع السودان إثيوبيا تبحث عن الدول التي لها عداء مع العرب وخاصة مصر والسودان كورقة ضغط في كل الملفات، لافتا إلى أن إثيوبيا تعلم جيدا أن تركيا لن تستطيع أن تنقذها مثلما فشلت عندما استعان بها السراج في ليبيا، موضحا أن إثيوبيا تستعين بتركيا من باب المكايدة السياسية والتهديد وربما لفتح قنوات لمساعدات مالية، مضيفا أن إثيوبيا تعلم أن تركيا تريد أن تنتقم من السودان بسبب غلق جزيرة سواكن في السودان، وكانت تركيا قد اتفقت مع البشير لإنشاء قاعدة عسكرية تركية في السودان، ولكن بعد الثورة السودانية والإطاحة بالبشير رفضت السلطة الجديدة أي وجود تركي بالسودان، وأشار إلى أن مصر لن تسمح بتدخل أي دولة معادية مثل تركيا في الشأن السوداني، من جانبه، قال البرلماني المصري مصطفى بكري إنه لا شك أن الطلب الإثيوبي من تركيا للتدخل للوساطة بين السودان وإثيوبيا يحمل في طياته التحريض ضد السودان، فتركيا ليست طرفا محايدا ولا تصلح أن تكون وسيطا كونها منحازة ضد السودان التي أغلقت قاعدة سواكن ومواقفها ضد المصالح العربية فهي تحاول أن تستعيد الماضي وتقوم بدور المستعمر في المناطق العربية، وتابع كنت أتوقع أن تلجأ إثيوبيا لمنظمة الاتحاد الإفريقي أو إلى مجلس الأمن للتحكيم خاصة وأن الجانب الإثيوبي هو المعتدي على السودان وحدود السودان وهو يدافع عن حدوده ضد الهجمات الإثيوبية على أراضيه، وأتمنى من الجامعة العربية أن تعلن عن موقفها تجاه هذا العدوان السافر على أراضى عربية وأن تعلن عن دعمها الكامل للسودان وتتقدم بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن.

الخلاصة
ويبقى أن الأزمة بين أثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى لن تحلها أي مبادرات إقليمية أو دولية بشكل جذري، قد تساعد في الحل، ولكنها لن تصل إلى حلول نهائية فيها، بسبب التعنت الأثيوبي من جهة، وأن التدخل الإقليمي والدولي يراعي في هذه المبادرات مصالحه الشخصية، وليس مصلحة أطراف الأزمة، فالرياض وأبوظبي لهما استثمارات ومصالح كبيرة في أثيوبيا، ويمكنهما لعب دور في هذه الأزمة، إلا أنه على مايبدو أن مصالح الإمارات على وجه التحديد في أديس أبابا تمنعها من هذا التدخل، علاوة على أن أي جهة أيا كان تأثيرها على أثيوبيا لن تكون كتأثير الولايات المتحدة الأميريكية عليها، بعد أن استضافت واشنطن المفاوضات على مدى قرابة الأربع أشهر وعندما وصلت لورقة نهائية وقعت عليها مصر انسحبت أثيوبيا في اللحظات الأخيرة، مما يؤكد أن أديس أبابا لن ترضخ لأي تدخلات ولا كروت ضغط، وأن الحل يكمن في تنسيق مصري سوداني مباشر وصريح ضد هذا التعنت الأثيوبي، والتحرك معا وسريعا لتصعيد الأزمة سواء في سد النهضة أو الحدود قبل إعلان أثيوبيا الملء الثاني في يوليو القادم، وإذا كانت أثيوبيا لديها كروت ضغط تلعب بها مستعينة بالتقاطعات الإقليمية في المنطقة، فمصر والسودان لديهما كروت ضغط في العمق الأثيوبي نفسه وعلى أديس أبابا تشعر بهذا الخطر، بالتلويح به أو بالإشارة إليه، ويبدو أن هذه هي الطريقة التي يعرفها الإثيوبيون ولا طريقة سواها.

المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي