الخرطوم – بهرام عبد المنعم
15 شهراً مرت على أول موعد حددته الوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة الفترة الانتقالية في السودان، بخصوص تشكيل المجلس التشريعي لكنه لم ير النور بعد، عقب سلسلة من التأجيلات. وكان آخر موعد للإعلان عن تشكيل المجلس التشريعي، في 28 يناير الماضي، عندما قالت السلطات – آنذاك – إن إعلان تشكيل المجلس سيكون في 25 فبراير الماضي، وأيضاً لم يتم الإعلان عنه ولم يصدر أي تعليق بتأجيله أو حتى الكشف عن موعد جديد.
تلك التأجيلات، فتحت باب التساؤلات عن الأسباب التي تقود إلى هذا التأجيل المتكرر لتشكيل المجلس التشريعي؛ الذي تكمن أهميته في سن القوانين والتشريعات التي ستحكم البلاد خلال الفترة المقبلة، ومراقبة أداء مجلس الوزراء ومساءلته، وإجازة الموازنة العامة للدولة، والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات.
ونصت الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري (المحلول) وقوى إعلان الحرية والتغيير في 17 أغسطس 2019، على أن يتكون المجلس التشريعي من 300 عضو بـ”التعيين”، على أن لا تقل نسبة مشاركة النساء عن 40 في المائة.
كما نصت على أن يشكل المجلس التشريعي ويباشر مهامه خلال 90 يوماً من تاريخ توقيع الوثيقة ذاتها، ويكون التشكيل بواقع 67 في المائة من قوى “إعلان الحرية والتغيير” و33 في المائة من القوى الأخرى المشاركة في الثورة، على أن يتم تسمية النسبة الأخيرة بالتشاور بين قوى الحرية ومجلس السيادة.
وبالتالي، كان مقرراً الإعلان عن تشكيل المجلس التشريعي، في 17 نوفمبر 2019، وفقاً للوثيقة الدستورية الخاصة بالمرحلة الانتقالية، غير أن المجلس لم يتشكل حتى الآن.وعقب توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والحركات المسلحة في 3 أكتوبر الماضي، تم تعديل الوثيقة الدستورية لمنح الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق 25 في المائة من مجلس الوزراء المكون من 26 عضواً و3 مقاعد في المجلس السيادي و25 بالمائة من مقاعد البرلمان.
وبعد الاتفاق أصبح توزيع مقاعد المجلس التشريعي، بواقع 165 مقعداً لصالح قوى “الحرية والتغيير” توزع بين المناطق الجغرافية والكتل السياسية (55 بالمئة)، 75 مقعداً نصيب الحركات الموقعة على الاتفاق ممثلة في الجبهة الثورية (25 بالمئة)، و60 مقعداً بالتشاور بين قوى التغيير والمكون العسكري لتوسيع دائرة المشاركة (20 بالمئة).
لكن التوزيع الجديد للمقاعد لم يُرضِ تجمع المهنيين السودانيين، التي أعلنت رفضها لهذا التوزيع في 6 فبراير الماضي.
تأخير تشكيل المجلس التشريعي جعل مجلسي السيادة والوزراء، يقومان بدورهما بعقد اجتماع مشترك يسمح لهما بإجازة القوانين والتشريعات، وسط انتقادات شديدة من قبل ناشطين وأحزاب وقوى سياسية حمّلت المجلسين أسباب تأخير تشكيل المجلس، وهو ما يرد عليه مسؤولون في المجلس بأن السبب يرجع إلى انتظار التوافق.
وفي هذا الصدد، رأى الكاتب والمحلل السياسي، فيصل سعد أن تأخر المجلس التشريعي لأسباب “غير معلومة” يعني التأخر في إكمال هياكل السلطة الانتقالية.
وأوضح في حديثه لــ”اليوم التالي” أن ذلك “يعني تعطيل إجازة قوانين مرتبطة بالتحول الديمقراطي، مكافحة الفساد، الدستور الانتقالي والعدالة الانتقالية، على الرغم من أن هناك بعض القوانين لها ارتباط بالمفوضيات (مفوضيات الانتخابات وغيرها) ولكن حتى هذه لم يتم إنشاؤها”.
وأضاف: “السلطة الانتقالية كانت في انتظار توقيع اتفاق السلام ليشمل البرلمان أكبر تنوع جيوسياسي، وبعد توقيع الاتفاق لم أرَ سبباً لتأخر تشكيل المجلس التشريعي، إلا أن حالة الشد والجذب (بين مجلس السيادة والقوى السياسية) هي دوماً تشكل عاملاً أساسياً في أي إعلان تنفيذي أو تشريعي في السودان”.
وأردف: “عليه لابد من الإسراع في إعلان البرلمان، خاصة وأن النسب واضحة في مرجعيتين أساسيتين: الوثيقة الدستورية واتفاق السلام الموقع مع عدد من أطراف العملية السلمية”.
أما الكاتب والمحلل السياسي، حاتم الياس، كان له رأي آخر مخالف لسعد، حيث اعتبر أن المجلس التشريعي الانتقالي يبدو أنه تحول من أحد أهم أولويات الثورة والقوى السياسية إلى مجرد مطلب هامشي.
وفي حديثه لـ”اليوم التالي”، أضاف أن “الصراع على السلطة التنفيذية وكيفية تشكيلها والنزاع بين القوى السياسية واتهامها لبعضها البعض بوجود محاصصة حزبية، أصبح أكثر من اهتمامهم بمسألة المجلس التشريعي الانتقالي”.
وتابع: “الواضح أنه لا أحد صار يهتم بوجود هذا المجلس التشريعي وأهميته، فقد حلت محله السلطة التشريعية المكونة من مجلس السيادة والوزراء، وأصبحت هي سلطة التشريع وإصدار القوانين وهو أمر خطير للغاية”.
وأردف: “القوى السياسية نفسها (المشاركة في السلطة) بمكونها المدني والعسكري تتحاشى الإسراع في تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، لأن ذلك يعني إحياء تحدي ضرورة تمثيل لجان المقاومة فيه”.
وبحسب بعض المراقبين فإن التأخير يعود لرغبة شركاء السلطة الانتقالية في ممارسة سلطات التشريع وإجازة القوانين بسهولة دون تعقيد. إلا أن آخرين يرون أن التأجيل المتكرر للمجلس التشريعي يعود لانتظار القادمين من أطراف عملية السلام الأخرى.
وهذا الرأي تبناه المحلل السياسي والصحفي عمرو شعبان، الذي قال لـ “اليوم التالي” إن “تأخير المجلس التشريعي يعود بالمقام الأول إلى انتظار توقيع اتفاق السلام مع حركتي تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو”. وأضاف: “وذلك لإفساح المجال أمام الحركتين اللتين لم توقعا على اتفاق السلام بتخصيص مقاعد لهم في البرلمان”. واستدرك شعبان: “وأيضاً لا يمكن إغفال الخلافات بين مكونات الفترة الانتقالية على ترشيحات البرلمان باعتباره أيضا أحد أسباب التأخير.
المصدر من هنا