تحت سقف من القش، يتذكر قرويون سودانيون زمن الحصاد في منطقة الفشقة ذات الأراضي الخصبة، التي أصبحت اليوم في قلب النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا.
اعتاد سكان قرية ودكولي على عبور مجرى نهر عطبرة الضيق من الغرب إلى الشرق بمراكب خشبية لزراعة مزارعهم في عمق منطقة الفشقة التي يؤكد كل من السودان وإثيوبيا أنها داخل حدوده الدولية.
ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي، أصبح من غير الممكن لأهل القرية عبور النهر إلى داخل المنطقة بعد أن انتشرت القوات الإثيوبية فيها، مما مكن آلاف المزارعين الإثيوبيين من زراعة الأرض على مدى حوالي خمسة وعشرين عاما.
وقال محمد عمر، أحد الزعماء المحليين في ودكولي لوكالة فرانس برس “آخر حصاد لنا من السمسم كان في 1996”.
انتشر الجيش الاثيوبي في الفشقة إثر تدهور العلاقة بين الخرطوم وأديس ابابا جراء محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، في العاصمة الإثيوبية في 1996. واتهمت إثيوبيا السودان بالوقوف وراء هذه المحاولة مما أدى إلى تصاعد التوتر بين البلدين. وقتها أمر الرئيس السوداني عمر البشير بالانسحاب من الفشقة .
وقال عبد الكريم ميرغني مزارع في الفشقة “أبلغنا ببساطة انه لم يعد الوضع آمنا لنا لعبور نهر عطبرة”۔
وبعد أكثر من عقدين، انتشر الجيش السوداني في المنطقة لاستعادة الأرض. وجاء التحرك بعد عامين من إطاحة البشير ما أغضب إثيوبيا وأدى الى اشتباكات دامية.
وأصبحت القرى الرئيسية في الفشقة مناطق عسكرية الوصول إليها مقيد بالنسبة للمدنيين.
تربة لا نظير لها
بات رزق المزارعين السودانيين في الفشقة مرتبطا صعودا وهبوطا بالعلاقات السودانية-الإثيوبية. وعلى مدى عقود ظلت الدولتان تعقدان محادثات حول الحدود من دون التوصل إلى اتفاق حول ترسيمها .
ويتمسك السودان باتفاقات وقعت إبان الفترة الاستعمارية خلال العقد الأول من القرن الماضي وتنص على أن الفشقة أراض سودانية وهو ما ترفضه إثيوبيا. ولا تعرف بدقة المساحة المتنازع عليها في منطقة الفشقة التي تمتد على طول نحو 12 ألف كلم مربع، وهي المنطقة التي تريدها كل من الدولتين.
لكن بعض المحللين يشيرون إلى أن النزاع يتركز حول الأرض الواقعة بمحاذاة الحدود وتبلغ مساحتها 250 كلم مربعا (مئة ميل مربع فقط).
وقال عمر إن حالة عدم الاستقرار جعلت تعداد سكان قرية ودكولي ينخفض من 12 ألف نسمة منتصف التسعينات إلى أربعة آلاف فقط الآن بعد أن نزح الآلاف.
وظل مزارعون مثل محمد جمعه يكافحون لسنوات من أجل الوصول حتى إلى مساحات صغيرة من مزارعهم شرق نهر عطبرة. وقال جمعه إن “الإثيوبيين أجبرونا على مغادرتها وهددوا بحرق محاصيلنا”.
وأضاف “الآن نزرع مساحات صغيرة غرب النهر، لكن التربة أقل جودة من شرقه حيث لا نظير لها في خصوبتها”.
هجمات متكررة
على مدى سنوات تأقلم سكان ودكولي مع حياتهم الجديدة من خلال زراعة مساحات صغيرة غرب النهر واستقبال زيارات تجار إثيوبيين من وقت لآخر.
وبعض السكان يتكلمون الأمهرة والتيغراي لغتي المجموعتين الإثيوبيتين كما تزوج سودانيون في المنطقة من إثيوبيات. ومع ذلك ما زالوا يواجهون هجمات من مليشيات إثيوبية.
وقال زكريا يحي، الذي يعمل ممرضا “أبي اختطف في 2013 ولإطلاق سراحه دفعنا فدية قدرها 7 آلاف جنية سوداني ( حوالي 1850 دولار)”. وأظهر قروي آخر أمام صحافيين من فرانس برس ما قال إنه آثار طلقات رصاص على جسده أطلقها عليه إثيوبيون.
وقالت فاطمة خليل “اعتدنا على تعقب أبقارنا عندما تتم سرقتها”. وأشارت إلى أن القوات السودانية بدأت تظهر في المنطقة بما في ذلك ودكولي منذ آواخر العام الماضي
وأضافت خليل “الآن لدينا احساس بالأمان، ويمكننا أن ننام ليلا دون ازعاج”.
لا تفاوض
تزامن نشر القوات السودانية مع اندلاع النزاع في شمال إقليم تيغراي الإثيوبي المحاذي للفشقة. وأجبر القتال بين الحكومة المركزية الإثيوبية وإقليم تيغراي حوالي 60 ألف لاجئي على الفرار إلى السودان .
وحذرت إثيوبيا من نشر قوات سودانية في المنطقة لكن التوتر تصاعد بعد كمين نصبته مليشيا وقوات إثيوبية لجنود سودانيين وقتلت منهم أربعة في ديسمبر الماضي.
وأعلن السودان أن قواته انتشرت “لاستعادة أراضيه المستولى عليها داخل الخط الدولي لحدوده”. وهو ما وصفته أديس ابابا بانتهاك لحدودها.
ووقعت عدة اشتباكات واتهم كل طرف الاخر ببدء أعمال العنف وخرق الحدود الدولية.
ويقول السودان إنه سيطر على أجزاء شاسعة من الفشقة، بينما تحذر إثيوبيا من عمل عسكري إذا لم تتوقف القوات السودانية عن التوغل في المنطقة.
ونقلت وكالة الانباء السودانية الرسمية (سونا) عن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قوله “لن نتفاوض مع اي طرف قبل اعادة ترسيم الحدود واعتراف اثيوبيا بأن الفشقة أرض سودانية” .
ويساند سكان ودكولي هذا الموقف. وقال يحيي “هذه أرضنا التي ظللنا نزرعها والآن نريدها أن تعود إلينا بالكامل”.
afp