الخرطوم / نازك شمام / الأناضول
بين مقتضيات الإصلاح الاقتصادي والاستجابة لوصفات المؤسسات الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد، اختارت الحكومة السودانية السير في طريق سياسة تعويم العملة المحلية أمام الدولار.
قبل شهر، أعلن البنك المركزي السوداني توحيد سعر صرف عملته المحلية الجنيه (تعويم جزئي) أمام الدولار والنقد الأجنبي، في محاولة للقضاء على الاختلالات الاقتصادية والنقدية.
ويقصد بالقرار، أن البنك المركزي سيكون له كامل الصلاحيات في التدخل بأسعار الصرف حال تجاوزها سقفا محددا بسبب العرض والطلب.
ورفع المركزي السوداني السعر التأشيري للدولار من 55 إلى 375 جنيها في أول أيام القرار.
بعد شهر من تطبيق القرار، استطاع “المركزي” تحقيق استقرار نسبي للعملة الوطنية وتقليص الفجوة بين الأسعار في الأسواق الرسمية وغيرها (الموازية).
وحدد المركزي السعر التأشيري للدولار في تداولات، الثلاثاء، 379 مقارنة بـ 381 جنيها سعر الدولار في أسواق العملات الموازية.
على مدى سنوات، ظل الجنيه يعاني تدهور أسعار الصرف، إثر تآكل احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وتراجع وفرة الدولار في السوق، بعد فقدان الإيرادات النفطية عقب انفصال جنوب السودان في 2011.
**انقسام آراء
تنقسم الآراء في الأوساط الاقتصادية حول الدوافع التي جعلت السودان يعوّم عملته، في ظل تخوفات طالما اعترت الحكومات السابقة من اتخاذها تجنباً لتكلفتها السياسية الباهظة.
وفي يونيو/ حزيران 2020، وقعت الحكومة السودانية مع صندوق النقد الدولي برنامج المراقبة الذي يعمل على مراقبة اشتراطات الصندوق، وتقييمها بعد عام، للحصول على تسهيلات مالية وقروض تزيد على مليار دولار.
واشترط الصندوق على الخرطوم الإقرار بجملة من الإصلاحات، أهمها رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء وتوحيد سعر الصرف في جميع المنافذ.
إلا أن وزير المالية جبريل إبراهيم، أكد في وقت سابق أن قرار التعويم الجزئي للجنيه لم تفرضه أي جهة على بلاده، ولكنه في مصلحة الاقتصاد السوداني والمواطن.
الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية أبو القاسم إبراهيم، رأى في حديث مع الأناضول، أن سياسة التعويم أصبحت توجها عربيا، وسط سير عديد البلدان في هذا الاتجاه.
وقال إبراهيم، إن التوجه نحو التعويم الكامل في السودان، لا تتوفر له الظروف الملائمة في الوقت الراهن، بسبب وضع الاقتصاد المحلي وعدم قدرة الحكومة على توفير الترتيبات اللازمة ومتطلبات التعويم.
وذكر أن التجارب الحديثة في التعويم، “لم تؤد إلى نجاحات معروفة” في إشارة للتجربة المصرية، لافتا إلى أن معدلات الدين في مصر ترتفع بصورة مستمرة.
وأكد أن الحكومة الانتقالية تفترض عدم وجود حل للمشكلة الاقتصادية، إلا عبر تعويم العملة الوطنية، وتأمل من خلال تطبيق هذه السياسة الحصول على إعفاء من ديونها الخارجية.
وأوضح أن استجابة السودان لتبني سياسية التعويم، تأتي لإرضاء المؤسسات الاقتصادية الدولية بغية الاستفادة من السيولة لديها، “تعليق السودان أمله على المنح والقروض والودائع، هو ما دفعه لاتخاذ خطوة التعويم”.
و”حتى الآن، لا يوجد تحسن واضح على معيشة المواطنين أو اختفاء السوق الموازية”، وفق إبراهيم.
وعن الإيجابيات التي يمكن أن يحصدها السودان حال اتخاذ قرار التعويم الكامل، أكد إبراهيم أنه لا يحمل فائدة مباشرة حالية على المدى المتوسط محليا، ولكنه يخدم الدولة في الحصول على المنح.
**ليس تعويما
بدوره، رفض الخبير الاقتصادي خالد التجاني، تسمية ما يحدث في السودان بالتعويم أو التحرير.
وأوضح في حديثه مع الأناضول، أن التعويم خاضع لعوامل العرض والطلب، أما ما قامت به الحكومة فهو ما يعرف بسعر الصرف المرن المدار، الذي يسمح بتدخل البنك المركزي وتحديد مؤشر الأسعار بصورة يومية.
وأكد أن ما يحدث الآن، هو عبارة عن تحريك سعر الصرف عبر تخفيض قيمة العملة السودانية، من 55 إلى 375 جنيها.
إلا أن تعريف مؤسسات دولية كالبنك الدولي وبنك التسويات الدولية، للتعويم الجزئي، بأنه، ترك البنك المركزي سعر الصرف يتحدد وفقاً للعرض والطلب مع تدخله كلما دعت الحاجة إلى تعديل، وهو ما يطبقه المركزي السوداني حاليا.
وزاد التجاني: “التعويم الكامل يحتاج لاشتراطات فنية من بينها توفر احتياطيات للبنك المركزي، تسمح له بالتدخل في عوامل العرض عبر ضخ أموال في الأسواق، بهدف إحداث استقرار.. وهذا لا يتوفر محليا”.
“من المبكر الحكم على تطبيق قرار تحريك أسعار الصرف، بعد شهر من تطبيقها”، واصفا الاستقرار النسبي للجنيه أمام الدولار بأنه “مؤقت”.
وبرر حالة استقرار الجنيه أمام الدولار، بتراجع الطلب على الدولار من قبل التجار والشركات في انتظار ما ستسفر عنه السياسة.
ونوه إلى أن التحدي الذي سيواجه القرار، هو قدرة المصارف على الإيفاء بالتزامات شراء السلع الاستراتيجية والشركات المستوردة خلال الفترة القادمة.
المصدر من هنا