الاستثمار بكلمة واحدة “مناخ” أو “بيئة”، فرأس المال جبان، وبطبيعته باحث عن الملاذات الآمنة التي تحفها تشريعات مرنة تتوافر فيها: أولاً: الاستقرار، أي أن التشريعات والقوانين واللوائح معلومة، ثابتة وموضوعية لا تفاجىء المستثمر بالتغييرات السالبة من وقت لآخر. ثانياً: خرائط استثمارية تحدد المجالات التي يجوز العمل فيها بصورة تفصيلية متضمنة امتيازات حقيقية وقابلة للتنفيذ وليس مجرد الوعود الكاذبة. ثالثاً: تقديم الخدمات بسهولة وسرعة من خلال نافذة واحدة لا يكون بعدها المستثمر بحاجة للانتقال من مكان لآخر. رابعاً: توافر نظام عدلي فعال ومدرب لا يؤخر الفصل في النزاعات.
أكبر مشكلة تواجه العملية الاستثمارية بالسودان القطاعات المعنية كوزارة التجارة، الطاقة، التعدين، الزراعة، الصناعة علاوة على وزارة الاستثمار نفسها. أي أن الوزير، وما أن يتقلد حقيبته إلا ويقرر إصدار تشريع جديد وكأن مجرد صدور قانون هو هدف بحد ذاته أو معيار لنجاح حقبته الوزارية. مشكلة السودان لم تكن يوماً في الدستور أو القانون المكتوب بقدرما الإنسان الذي يؤمن ويطبق التشريعات.
ببساطة، مفهوم الاستثمار لم يعد يقتصر على توفير البيئة أو فتح المنافسة لتوفير الغذاء أو الصحة أو الطاقة أو التعليم أو غيرها. الاستثمار بات علماً تنافس فيه الدولة القطاع الخاص وتشجعه على توفير المناخ الجاذب للمستثمرين. بالعديد من الدول طورت الحكومات خدماتها وسمحت للمواطنين ممارسة امتيازات كانت تقوم بها الحكومة كمنح التراخيص وتسجيل الشركات، الشراكات وأسماء الأعمال والأسماء التجارية.
التشريع الاستثماري النموذجي يكمن في خروج الحكومة من احتكار الخدمات لإنشاء وحدات إدارية للاستثمار تمارس الصلاحيات والسلطات المقررة بالقانون على المستويات الاتحادية، الإقليمية والمحلية. الاستثمار كوزارة يجب أن تكون ممثلة بكل جهاز من أجهزة الدولة، فتتولى التنسيق والإشراف على صناعة وتطبيق الخارطة الاستثمارية. تهيئة بيئة الاستثمار يجب أن تكون ثقافة مجتمع، بحيث يقتصر دور الدولة في تطوير التشريعات وليس احتكار الخدمات.
المصدر من هنا