السودان الان

السودان يستغل «التجسيري» للعبور إلى محطة إعفاء الديون

مصدر الخبر / جريدة التيار

 

 

الخرطوم : الفاضل إبراهيم

دار جدل كثيف الآونة الأخيرة حول القرض التجسيري الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية للسودان «1.15» مليار دولار لمساعدة السودان في تسديد ديونه على البنك الدولي.

القرض يساعد السودان في الاستفادة من المنح المالية التي تقدمها مؤسسات التمويل التابعة للبنك الدولي للدول غير المؤهلة لتلقي القروض.

وسيعقب هذه الخطوة إنعقاد مؤتمر باريس شهر مايو المقبل لمناقشة قضية ديون السودان الأمر الذي اعتبره البعض خطوة مهمة لإعفاء ديون السودان الخارجية.

مصدر الجدل في عدم فهم البعض لطبيعية القرض وعدم فهم كلمة «تجسيري» التي تعني قرضاً مسترداً في وقت وجيز جداً «ساعات» وهو ما حدث بالفعل، حيث دفع السودان للبنك الدولي متأخرات ديونه ومن ثم استفاد من منحة مالية من البنك نفسه ستكون مقدمة لمنح قادمة في الطريق خلال العامين القادمين وتمهد الطريق لإعفاء ديون السودان الخارجية.

غير مؤهل

يوضح المحلل الاقتصادي، د. الفاتح عثمان محجوب لـ(التغيير الإلكترونية) أن ما يجري الآن من تفاهمات بين السودان ومؤسسات التمويل الدولية ليس استدانة جديدة تزيد من ديون السودان الخارجية، لجهة أن السودان غير مؤهل أصلاً لتلقي القروض نسبة للديون الكبيرة عليه من دول نادي باريس والصين ومؤسسات التمويل الدولية التي تجاوزت الـ «60» مليار دولار.

يشير الفاتح إلى إن ماحدث من قرض تجسيري من قبل الولايات المتحدة للسودان لمساعدته في حل مشكلة ديونه لدى البنك الدولي «تحايل قانوني» لا يعفي ديون السودان، ومن ثم يسمح بتلقيه منحاً تساعده في إعادة تأهيل مشاريع التنمية.

تجسيري آخر

يقول د. الفاتح إن بريطانيا أيضاً سارت في ذات الاتجاه بعد أن وافقت على منح السودان قرضاً تجسيرياً جديداً لحل ديونه طرف بنك التنمية الأفريقي، بما يمكنه من سداد ديونه على أحد أكبر مؤسسات التمويل الدولية، وبالتالي يمنح شهادة تسمح له بالاستفادة من مبادرة الهيبك ويصبح مؤهلاً لإعفاء الديون باعتباره من الدول الأكثر فقراً.

ويوضح د.الفاتح أن كلمة «مؤهل» لا تعني أن السودان سيحصل مباشرة على قرض، بل سيتم عقد مؤتمر في باريس شهر مايو القادم لإعفاء ديونه.

مؤكداً أن تحسن العلاقات مع الولايات الأمريكية ساهم في حل المشكلة مع البنك الدولي، ولاحقاً سيساعد السودان في حل بقية التعقيدات مع المؤسسات المالية الدولية والدول الدائنة في ظل رغبة المجتمع الدولي الذي لا يريد أن ينهار السودان اقتصادياً، وبالتالي يصبح دولة فاشلة تصبح معبراً للهجرة والإرهاب.

تاريخ الديون

يوضح د. الفاتح إن معظم ديون السودان كانت في الفترة ما بين 1950 وحتى 1982 بعدها توقف السودان عن دفع ديونه لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي والدول الأخرى الدائنة.

 

ومعلوم أن الدولة التي لا تسدد ديونها لا يتعامل معها العالم لذلك هذه الخطوة مهمة جداً (حد تعبيره).

البنك الدولي ووفقاً لهذا السداد الذي تم للديون سيمنح السودان 1.653مليار دولار عن طريق وكالة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي والتي ستدفع منحة 300 مليون دولار لتأهيل المشاريع التنموية وعلى رأسها مشاريع البترول و400 مليون دولار أخرى للمشاريع الزراعة المروية.

إصلاح اقتصادي

يقول المحلل الاقتصادي د.هيثم فتحي، إن القرض «التجسيري» الذي قدمته أمريكا للسودان جاء بهدف مساعدة السودان في معالجة ديونه السيادية لدى المؤسسة الدولية التي لا تدخل ضمن مبادرة إعفاء التزامات الدول الفقيرة المثقلة بالديون الهيبك.

عودة السودان للأسرة  الدولية

وأوضح فتحي أن الخطوة تعني عودة السودان لمجتمع المانحين الدولي، والتعامل المباشر مع البنك الدولي خاصة أن الحكومة الانتقالية تسير بخطوات لتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي متفق عليه وبالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين، لإجراء إصلاحات اقتصادية قد تكون صعبة على أصحاب الدخل المحدود لكنها ضرورية لإعفاء ديون السودان.

يقول د. هيثم إن السودان يتمتع حالياً بفرصة كبيرة جداً في طريق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وسداد المتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية، وسيمكن السودان من إعادة المشاركة الكاملة مع مجموعة البنك الدولي.

كذلك الخطوة تمهد الطريق –حسب فتحي- للحصول على ملياري دولار عبارة عن منح المؤسسة الدولية للتنمية للحد من الفقر وتحقيق الانتعاش الاقتصادي المستدام على فترة سنتين.

ويعزز ذلك من تسوية ديون البنك الدولي كما يساهم بحسب د. هيثم فتحي في حل أزمة الديون «50 مليار دولار» تقريباً خلال مؤتمر باريس، كما يزيد من فرص السودان للحصول على منح وقروض ومساعدات تنموية، حُرم منها لأكثر من 40 سنة.

ويمكن للسودان التفاوض مع نادي باريس، الذي تتطلب قواعده تطبيق برنامج التكييف الهيكلي الذي تتبناه مؤسسات التمويل الدولية.

للاستفادة من مبادرة إعفاء ديون البلدان الفقيرة المثقلة خاصة بعد إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب واستعادة التعامل مع البنك الدولي كما استفادت من هذه المبادرة إثيوبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى والصومال، حيث تم تخفيض ديونها في المتوسط بنسبة خمسة وسبعين في المائة.

يقول المتخصص فى إدارة الموارد والإدارة المالية، د. أحمد سالم، إنه وعلى الرغم من إختلاف مكونات الحكومة الحالية والصراعات فيما بينها إلا أنها استطاعت أن تحدث اختراقات مقدرة فى جدار التعاون والانفتاح على المجتمع الدولى لتحقيق الإصلاح الإقتصادى.

ويصف رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإنهاء الحصار الاقتصادى، بأنه الاختراق الأكبر الذي أوقف الحظر الجائر الذي عانى منه السودان والمواطن السوداني على مدى ثلاثة عقود، حُرم خلالها السودان من التعامل الطبيعي مع المجتمع الدولي، وفقد بذلك فرصة لا تعوض في تمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية والخدمات الأساسية والمشروعات الإنتاجية.

روشتة البنك الدولي

يقول د. سالم في المقابل إلتزمت الحكومة الإنتقالية تنفيذ روشتة صندوق النقد والبنك الدوليين بتطبيق قرار رفع الدعم وترشيد الإعفاءات وتحرير سعر الصرف، رغم آثارها السلبية على حياة المواطن ولقد تم تنفيذ كل تلك الإجراءات تحت إشراف وتوجيه بعثة خبراء البنك الدولي و رصدهم ومتابعتهم.

وكان نتيجة ذلك القرض التجسيرى الذي أعلنت عنه وزيرة الخزانة الأمريكية بمبلغ 1.15 مليار دولار هذا القرض التجسيري الذي قامت بدفعه الولايات المتحدة، لصندوق النقد والبنك الدوليين والذي أعلنته وزيرة الخزانة الأمريكية مما يفتح الباب واسعاً أمام السودان لتسوية ديونه الخارجية بالتفاوض مع نادي باريس.

يؤكد د. أحمد أن السودان سيسعى لتسوية ديونه مع البنك وصندوق النقد الدوليين وبنك التنمية الأفريقي والبالغ قدرها 2.87 مليار دولار ويجعل التفاوض مع مجموعة «هيبك» متاحاً وميسراً لمعالجة باقي الديون التجارية والتي تخص بعض الدول خارج مجموعة نادي باريس.كما أن هذا القرض المعبري سيعيد تعامل السودان الطبيعي مع مؤسسات المال العالمية الأخرى، للحصول على التمويل والقروض الميسرة، ويزيد من تدفق المعونات والهبات والمنح والعون الإنساني من جميع مكونات المجتمع الدولي ومؤسساته المتمثلة في المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية.، والوكالة الدولية متعددة الأطراف لضمان الاستثمار

ويسهل القرض على الحكومة الإنتقالية مهمتها في الحصول على العون والدعم الدولي من مؤتمر المانحين وشركاء السودان، المزمع عقده في باريس مايو القادم

ولأن القرض المعبري سريع الدفع والاسترداد، فإن من الفوائد العاجلة والتي وردت في تصريح لوزارة المالية عبارة عن مبلغ 635 مليون دولار لدعم موازنة 2021 وبرنامج ثمرات لدعم الأسر إضافة لتوفير مبلغ 2 مليار دولار لتمويل مشروعات التنمية على مدى عامين.

مهما كان رأي المتابعين لهذه الخطوة المهمة، إلا أنها تبدو إيجابية تحسب للحكومة الانتقالية في إنجازاتها واختراقاتها التي قامت بها لتطبيع علاقة السودان مع المجتمع الدولي.

أما التحدي الذي يواجه الحكومة الإنتقالية هو إمكانية الإستمرار وتثبيت ما قامت به من إجراءات في مجال الإصلاح الاقتصادي، والجد والاجتهاد في إكمال مطلوبات الإصلاح الأخرى، من حيث الإصلاح المؤسسي والحوكمة والضبط المالي والإفصاح والشفافية ومحاربة الفساد، والتي تزيد من ثقة المجتمع الدولي في الحكومة الإنتقالية وتجعله يضاعف من دعمها والوقوف معها حتى تصل لنهاية الفترة الانتقالية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

ويتمكن بذلك السودان من الإستفادة القصوى من عودته للتعاملات الطبيعية بينه والمجتمع الدولي ومؤسساته المالية والتمويلية وبالتالي تفجير موارده الطبيعية الكامنة وإحداث الطفرة الاقتصادية المنشودة، وتحقيق الرفاهية والازدهار لأهل السودان.

 

المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

جريدة التيار