الخرطوم- بهرام عبد المنعم
انطلقت بالعاصمة الكونغولية، كينشاسا، جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة، بمشاركة السودان ومصر وإثيوبيا، للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث.
وأعلنت دول السودان مصر السودان، الجمعة، المشاركة في جولة جديدة من مفاوضات سد “النهضة” يومي السبت والأحد.
وقالت وزارة الخارجية المصرية إن وزيرها سامح شكري توجه إلى العاصمة الكونغولية كينشاسا، للمشاركة في جولة من المفاوضات حول سد “النهضة”.
وأضافت الوزارة، في بيان عبر صفحتها على فيسبوك، أن مشاركة شكري في المفاوضات تأتي بناءً على دعوة من الكونغو الديمقراطية، التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي.
وأردفت: “المباحثات ستعرف مشاركة وزراء الخارجية والري في كل من مصر والسودان وإثيوبيا”.
وأكدت الوزارة موقف مصر “الداعي إلى إطلاق عملية تفاوضية جادة وفعالة، تسفر عن التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث”.
وفي الخرطوم، قالت وزارة الخارجية السودانية في بيان، إن وزيري الخارجية مريم الصادق، والري والموارد المائية ياسر عباس، سيتوجهان إلى كينشاسا، السبت، للمشاركة في مباحثات حول سد “النهضة”.
وأضاف البيان أن “وفد السودان يشارك في المباحثات لتحديد منهجية التفاوض ومساراته والاتفاق عليها، لضمان إجراء مفاوضات بناءة تتجاوز الجمود الذي لازمها خلال الأشهر الماضية”.
وأوضح أن الوفد سيبحث “مقترح السودان بضرورة الاستعانة بوساطة دولية رباعية تضم الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وتعمل تحت قيادة الاتحاد الإفريقي”.
وفي أديس أبابا، أكد وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين، الجمعة، تمسك بلاده بـ”الاستفادة من مشروع سد النهضة، مع الالتزام بعدم إلحاق أي ضرر بمصر والسودان”.
ولفت ميكونين، في كلمة بمناسبة الذكرى العاشرة لبدء بناء سد “النهضة إلى أن “استكمال بناء السد يمثل أولوية قصوى لبلاده لما له من أهمية تاريخية واقتصادية”.
وتأتي هذه الجولة الجديدة من المباحثات حول سد النهضة؛ بعد أيام من تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي، حذر فيها من “المساس بنيل مصر”، وحملت في طياتها أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل عقد من الزمان .
إذ قال السيسي، الثلاثاء الماضي، إن “مياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحقوقنا المائية، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل”.
ومع إصرار إثيوبيا على ملءٍ ثانٍ لسد “النهضة” بالمياه في يوليو المقبل، حتى ولو أحادي الجانب، تتزايد حرارة التصريحات الرسمية في دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، حتى بلغت درجة التهديد والتحذير.
وهي تهديدات يعتبرها مراقبون مؤشرا على تضاؤل احتمالات حل النزاع عبر التفاوض، وتفتح الباب أمام خيارات أخرى، بعد عشر سنوات من مفاوضات متعثرة، وفي ظل رفض إثيوبي لآلية “الوساطة الرباعية” الدولية.
بينما يرى آخرون في هذه التهديدات محاولة لحشد ضغوط إقليمية ودولية على أديس أبابا للتوصل إلى اتفاق ثلاثي قبل الملء الثاني المرتقب، لتفادي “تهديد استقرار المنطقة بالكامل”، وفق تحذير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وترفض الخرطوم والقاهرة أن تشرع أديس أبابا في الملء الثاني للسد، على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل، قبل التوصل إلى اتفاق ثلاثي، حفاظاً على منشآتهما المائية وحصتهما المائية السنوية، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.
وعادة ما تقول أديس أبابا إن بناء السد ضروري لتحقيق التنمية في البلد الفقير، عبر توليد الطاقة الكهربائية، مشددة على أنها لا تعتزم الإضرار بحقوق ومصالح القاهرة والخرطوم.
** تهديد مصري
بلهجة تهديد، قال الرئيس المصري، خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي: “لا أحد يستطيع أن يأخذ نقطة مياه من مصر، ومن يريد التجربة فعليه الاقتراب (من مياهنا)”.
ومضى محذرا: “مياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحقوقنا المائية، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل”.
وأضاف السيسي: “معركتنا في سد النهضة معركة تفاوض، ونحن نكسب أرضاً كل يوم؛ لأننا نتفاوض بشكل يحقق مكاسب للجميع”.
وتابع: “خلال الأسابيع القليلة المقبلة، سيكون هناك تحرك إضافي لمصر في هذا الملف (لم يحدده)، ونتمنى أن نصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء السد وتشغيله”.
** دعم عربي إسلامي
وعلى وقع التحذير المصري من “رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل”، توالت رسائل دعم من دول ومنظمات عربية وإسلامية مع كل من القاهرة والخرطوم، تضمّنت دعوات إلى تجاوز الخلافات بين الدول الثلاث، وهو ما قد يشكل ضغوطا على إثيوبيا.
فعبر بيانات وتغريدات واتصالات هاتفية، أعربت كل من السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين، الأردن، ليبيا ومنظمة التعاون الإسلامي (57 دولة) عن تضامنها مع مصر والسودان في قضية السد.
وشددت على أن أمن البلدين المائي “جزء لا یتجزأ من الأمن القومي العربي”، مؤكدة على دعمها للمساعي الرامية إلى التواصل لـ”حل عادل وملزم”، عبر القوانين والمعايير الدولية، یراعي مصالح كل الأطراف، “بما يحقق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة والتعاون بين جميع دول المنطقة”.
مهاجمة أهداف معادية:
وتحت عنوان يحمل رسائل، وهو “نسور النيل-2″، أعلن الناطق باسم الجيش المصري، العقيد تامر الرفاعي، الأربعاء الماضي، عن تدريبات جوية تُجرى حالياً بين بلاده والسودان في قاعدة “مروي” الجوية السودانية”.
وقال الرفاعي إن التدريب يشهد “مشاركة عناصر من القوات الجوية والصاعقة”، وقد “نفذت القوات نشاطات منها طلعات المشتركة لمهاجمة الأهداف المعادية”.
وأوضح أن “التدريب يهدف إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة لإدارة العمليات الجوية وقياس مدى استعداد القوات لتنفيذ عمليات مشتركة على الأهداف المختلفة”.
وبين حين وآخر، تتصاعد مخاوف وتحذيرات إثيوبية من احتمال أن توجه مصر، وربما بالتعاون مع السودان، ضربة عسكرية للسد، بينما تخلو تصريحات القاهرة والخرطوم من أي حديث صريح عن الخيار العسكري.
** اتهام سوداني:
وعلى الرغم من ملفات خلافية بين مصر والسودان، أبرزها النزاع على مثلث حلايب الحدودي، فإن ثمة توافق بين الجارتين في شأن سد “النهضة” الإثيوبي.
ففي تناغم مع موقف القاهرة، دعت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، الأربعاء الماضي، الولايات المتحدة إلى الانخراط في تفاوض بناء يلزم الطرف الإثيوبي بعدم الملء من دون موافقة الأطراف المعنية، بحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
ورأت، خلال لقاء مع المبعوث الأمريكي الخاص للسودان وجنوب السودان دونالد بوث، أن تصرفات الجانب الإثيوبي الأحادية زعزعت الثقة المتبادلة بين البلدين.
وأفادت بأن السودان لجأ إلى الآلية الرباعية للوساطة بعدما علم أن إثيوبيا تراوغ لكسب الوقت لإكمال الملء الثاني للسد، وهو ما لا يجب التهاون معه والسكوت عليه.
أما المبعوث الأمريكي دونالد بوث، فشدد على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم ومرضٍ لجميع الأطراف، مؤكداً اهتمام بلاده بأمن الدول الثلاث واستقرارها، واستعدادها لتقديم الدعم الفني اللازم للخروج من الأزمة.
وما بين عواصم الدول الثلاث، أجرى بوث محادثات مكثفة عنوانها الرئيس هو سد “النهضة”، الذي استضافت واشنطن، في نوفمبر 2019، جولة تفاوض ثلاثية في شأنه، لكنها لم تحقق اختراقاً، في ظل رفض إثيوبي لمسودة اتفاق وقعتها مصر بالأحرف الأولى وتحفظ عليها السودان.
وبجانب السد، ثمة ملف خلافي آخر بين السودان وإثيوبيا، فبينما تقول الخرطوم إنها استعادت أراضي سودانية (شرق البلاد) كانت تسيطر عليها “مليشيات إثيوبيا”، تتهم أديس أبابا الجيش السوداني بالاستيلاء على أراضٍ إثيوبية، منذ نوفمبر الماضي، وهو ما تنفيه الخرطوم.
** إثيوبيا و”الرباعية”
وفي أول رد إثيوبي على التحذير المصري، أعلن سفير أديس أبابا في القاهرة، ماركوس تيكلي ريكي، في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، أنه “سيتم استئناف المفاوضات في شأن ملف سد النهضة مع مصر والسودان قريباً (لم يحدد تاريخاً) للتوصل إلى اتفاق مرضٍ مع جميع الأطراف برعاية الاتحاد الإفريقي”، وفق صحيفة “الشروق” المصرية (خاصة).
وتصر إثيوبيا على أن يقود الاتحاد الإفريقي منفرداً المفاوضات حول السد، ورفضت في 9 مارس/ آذار الماضي، مقترحاً سودانياً أيدته مصر، بتشكيل وساطة رباعية دولية، تضم الاتحادين الإفريقي والأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة، لحلحلة المفاوضات المتعثرة.
وأضاف ريكي: “لم يتم التواصل مع إثيوبيا رسمياً في شأن لجنة الوساطة الرباعية التي اقترحها السودان وسمعنا عنها من وسائل الإعلام فقط (…) أديس أبابا دائماً تركز على المفاوضات وتعمل على حل الخلافات بطريقة سلمية”.
لكن حتى إن عادت الدول الثلاث إلى طاولة المفاوضات، فلا يعني ذلك بالضرورة تحقيق اختراق في عملية التفاوض، التي يرعاها الاتحاد الإفريقي منذ أشهر، وتشهد تعثراً منذ بدء بناء السد عام 2011.
فالقاهرة والخرطوم، واستنادًا إلى تصريحات مسؤوليهما، تخشيان جولة “مراوغة” إثيوبية جديدة لكسب الوقت حتى تبدأ أديس أبابا الملء الثاني للسد، ضمن سياسة الأمر الواقع، تماماً كما فعلت مع الملء الأول، في يوليو الماضي.
ومع اقتراب الملء الثاني، في يوليو المقبل، وفي حال عدم تحقيق اختراق تفاوضي، ستتصاعد حتما التحذيرات والتهديدات: فإما اتفاق ثلاثي مرضٍ، وإما “رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل”.
المصدر من هنا