حوار: فاطمة مبارك
د.التجاني الطيب: موازنة 2021م فيها خلل في فقه الأسبقيات والزيادة في قطاعي التعليم والصحة ليس بالقدر الذي احتفل به
بالنسبة للميزان التجاري الموازنة تتوقع عجزاً في حدود 4.4 مليار وهذا في إطار صادرات مقدرة في حدود 3.8 مليار
تقدر الموازنة العجز الفائض أو السالب في عام 2021 م بإنه سيكون هناك فائض في حدود 30 مليار دولار
إذا نظرنا إلى قطاع الدفاع والأمن والشرطة نجد أن نسبته في الواقع تضاعفت في 2021م حيث ارتفعت نسبة القطاع من 11%إلى 22%
يمر الاقتصاد السوداني بحالة حرجة، لم تفلح معها كل المحاولات والسياسات التي وضعت لإصلاحه، ورغم الانفتاح الذي شهده السودان مع العالم الخارجي وأدى إلى رفع السودان من قائمة الإرهاب وفتح باب التعاون مع الصناديق والبنوك والدول الكبرى، لكن يبدو أن الموضوع محتاج إلى إصلاحات داخلية على مستويات مختلفة، وسياسات متكاملة.. داخلياً كذلك لم تنعكس سياسات تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن المحروقات على الأوضاع، كما أن الخبراء اختلفوا حول جدوى هذه السياسات، بعضهم اعتبرها تنفيذاً لروشتة البنك وصندوق النقد الدوليين، فيما دافع آخرون عن هذه السياسة باعتبارها خطوة في طريق تعافي الاقتصاد السوداني..
التيار أجرت حواراً مع وزير المالية الأسبق دكتور التجاني الطيب قدم فيه شرحاً وافياً لطبيعة الأوضاع والمشاكل والمعوقات وهذه حصيلة إفاداته
#كيف تقيم الوضع الاقتصادي الآني؟
الوضع الاقتصادي كما وصفه صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير بعد المراجعة الأولى لبرنامجه مع السودان ،هو هش للغاية وموازنة 2020- 2021م في الواقع تعكس نفس الشيء ،حيث من المتوقع أن يشهد الاقتصاد نمواً في حدود 1 % مقارنة مع تراجع حوالى 5 % في عام 2020م رغم ذلك هذه الأرقام تكاد تكون غاية في التفاؤل لأنه بكل المقايس التراجع الاقتصادي في عام 2020م بناء على معدلات التضخم من المفترض أن يكون أكثر من ذلك بكثير وبالنسبة لعام2021 م نسبة 1% تعتبر أيضاً لاتخلو من التفاؤل نسبة لأنه معدل نمو الاستثمار خلال السنوات السابقة كان سالباً ومن غير المتوقع أن ينمو الاقتصاد تحت هذه الظروف في خلال تراجع معدل الاستثمار لمدة 5 سنين متتالية ،
#إذاً لافرق بين موازنة 2021م وسابقاتها؟
الموازنة للأسف الشديد هي تقريباً نفس التركيبة التي كنا نشهدها في كل الموازنات السابقة، ويبدو إن هناك مشكلة بين الجزء المختص بالمؤشرات الرئيسية في الاقتصاد وبقية الجزء المالي في الموازنة ،
#ما أسباب المشكلة؟
في الموشرات الرئيسية، يبدو إن هناك شخصاً أو أشخاص يقومون بإحصاء هذه الأرقام دون أية مراجعة لمصداقيتها ومدى تطابقها مع المعايير الفنية المفروض تطبق ،فنفس الأخطاء التي نلاحظها كل عام في الموازنة في الجزء المختص بالمؤشرات الرئيسية هي نفس الأخطاء التي ظلت مستمرة في موازنة 2020م و2021 م
#ماذا عن أخطاء موازنة 2021م؟
مثلاً، نجد أن الموازنة في 2021م تتحدث عن نمو 1%، لكن إذا نظرنا إلى مساهمات القطاعات الحقيقية الزراعة والصناعة وقطاع الخدمات ،نجد أن النمو في عام 2021م من المفترض أن يكون في حدود 2%وليس 1%، أما إذا طبقنا نفس المساهمات بالنسبة لعام 2020م فنجد أن النمو -1%، وليس4.8%، فيبدو إن هناك مشكلة حقيقية في تطابق الأرقام وتمحيصها وغربلتها بالنسبة للمؤشرات الرئسية التي تظهر في الموازنة كل عام دون مراجعة وإطار فني كما هو متعارف عليه.
#هل لديك ملاحظات أخرى ؟
بالنسبة للمؤشرات الرئيسية في الموازنة حتى إذا صدقنا الأرقام المقدمة بالنسبة لمعدل النمو الحقيقي ،نجد أن مثلاً معدل عرض النقود من المتوقع أن يهبط من 74% في2020م إلى 30% في 2021م متوسط معدل التضخم تتوقع الموازنة أن يهبط من 148 إلى 95 %وهذه أرقام تدعو للتفاؤل.
#لماذا؟
لأنه من الصعب جداً خفض متوسط معدل التضخم من 148إلى 95 خلال سنة واحدة في الوقت الذي يساوي فيه معدل نمو النقود 30%، فمعدل النقود في الواقع يشير إلى أن معدل التضخم ضغط لينزل إلى هذا الحد لأنه إذا نظرنا إلى إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية، نجد إن من المتوقع أن يرتفع بنسبة 46% ،فمن الصعب جداً الاقتصاد بالأسعار الجارية يرتفع بنسبة 46 % ويظل عرض النقود في حدود 30%
#ماذا يحدث عادة؟
عادة عرض النقود يتماشى مع إجمالي النمو في إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية وهذا في حد ذاته يعطي الشك في مصداقية متوسط معدل التضخم المقترح وفي الواقع معدل التضخم في 2020م حسب الأرقام النهائية هو 154 % وليس 148% أي إن معدل التضخم نفسه في 2020 م كان أعلى ،مايدعو أيضاً للتشكك في المقدرة بالهبوط بمعدل التضخم إلى 95 % في 2020 – 2021 م
#هل تنطبق عدم الدقة أيضاً على الميزان التجاري؟
بالنسبة للميزان التجاري الموازنة تتوقع عجزاً في حدود 4.4 مليار وهذا في إطار صادرات مقدرة في حدود 3.8 مليار دولار وواردات متوقعة في حدود 8.2 مليار دولار، الصادرات بالدولار للأسف الشديد أيضاً متفائلة، فصادرات الذهب حسب سجلات البنك المركزي في 2020 م كانت فقط حوالى 280 مليون دولار وهذا قد يكون نتيجة إلى أن المحفظة سمح لها أن تحتفظ بعائد الصادرات في الخارج وتمول جزءاً من الضروريات في جانب الواردات، لكن عملياً من المفترض حتى لو سمح للمحفظة بأن تحتفظ بجزء من الصادرات يفترض أن يكون كل عائد صادرات الذهب مسجلاً في إحصائيات بنك السودان، لكن لا أدري لماذا لم تدرج الصادرات ،سوى من ناحية الكمية أو العائد المادي في سجلات بنك السودان ،بالتالي الموازنة تتوقع عجزاً في الميزان الكلي بالنسبة لميزان المدفوعات في حدود 116 مليون دولار.
الموازنة تتوقع هبوط معدل البطالة من 43% في 2020 م إلى 38 % ، لكن على ضوء النمو المقدر فلا أحد يدري من أين ستأتي فرص العمل ليهبط معدل البطالة بهذا الحجم في 2020م -2021، رغم أن الموازنة تتوقع معدل نمو الاستثمار في العام 2021 ليرتفع من -15% في م 2020 إلى 29 %هذا الاستثمار حتى لو تحقق فمن الصعب جداً التحكم في أن نتائجه ستتحقق في عام 2021 م بل من المتوقع أن تأتي في الأعوام القادمة ،
الصورة الكلية بالنسبة للموازنة تكاد تكون متفائلة فيما يختص بالمؤشرات الرئيسية في الاقتصاد وكما ذكرت الموازنة كالعادة تعج بكثير من الأخطاء الفنية، في هذا الإطار إذا نظرنا إلى الجانب المالي والتوقعات حسب الموازنة لعام 2021م نجد أن الميزانية تتوقع أن تقفز الإيرادات إلى نسبة 65%والإنفاق التشغيلي غير التنموي أن يزداد بنسبة 55%فإذا كان النمو المتوقع في الاقتصاد بالأسعار الجارية في حدود 45-46 % ،فمن الصعب توقع أن تزداد الإيرادات بهذا الحجم، لكن هذه استراتيجية كانت تتبعها الإنقاذ دائماً بأن تعطي صورة متفائلة جداً في جانب الإيرادات لتجد حجة للزيادة في الانفاق التشغيلي أو الإنفاق الجاري ،
#ما العجز المتوقع في موازنة 2021م؟
تقدر الموازنة العجز الفائض أو السالب في عام 2021 م بإنه سيكون هناك فائض في حدود 30 مليار، لكن إذا نظرنا إلى نسبة الزيادة في الإيرادات ونسبة الزيادة في الإنفاق وحاولنا أن نضع معادلة حسب أرقام المؤشرات الرئيسية نجد أن الموازنة من المتوقع أن تنتهي بعجز جارٍ أي قبل ميزانية التنمية، في حدود أكثر من حوالى 70-75 مليار جنيه سوداني، مايلفت الانتباه أن الإنفاق التنموي القومي أداؤه كان بائساً في 2020م ،
#كيف؟
الموازنة في 2020م توقعاتها كانت حوالى 75 مليار صرف، لكن الصرف الحقيقي في الواقع حسب موازن 2021م ،كان 5 مليار فقط، بالتالي رفعت موازنة 2021م الإنفاق إلى 114 مايعني مضاعفته بالنسبة للاعتمادات في عام 2020م، لكن هذا الرقم أيضاً رغم الحجم إلا إنه ضئيل جداً، إذا نظرنا مثلاً إلى مبيعات النفط المحلي أي الزيادة في مبيعات النفط المحلي، بعد رفع الدعم وأنا أسميه رفع ،لأنه لم يكن إصلاحاً للدعم بحيث إنه يحول عائد تحريك الأسعار إلى أعلى ليصب في خانة الإنتاج وليس خانة الاستهلاك.
في الواقع الموازنة أرتكبت نفس ما ارتكبته الإنقاذ في 13 و16، إن معظم العائد في مبيعات النفط المحلي ذهب في جانب الإنفاق التشغيلي، لذلك كان الفائض في الميزانية المقدر ضئيل جداً، حتى لو صدقت الأرقام 30 مليار مقارنة مع مبيعات النفط التي قفزت من 12 مليار في 2020م إلى 300مليار في 2021م نتيجة للزيادات المتواصلة في أسعار المحروقات وهذا يعتبر فشل السياسة لأنه من المفترض أن يكون الفائض في موازنة 2020م كبير جداً لتحويله إلى ميزانية التنمية، حتى يتم إصلاح للدعم وليس رفع للدعم لذلك الرقم المقدر بالنسبة للتنمية القومية يعتبر ضئيل جداً. وحوالى83 أو (84) مليار منه سيمول بالاقتراض، أي مازلنا في دائرة التنمية تحصيل حاصل وهذا بغض النظر عن الأداء البائس للإنفاق التنموي في 2020م ،ولايوجد أي سبب يجعلنا نؤمن بأن أداء الإنفاق التنموي سيكون أحسن حالاً في 2021م بالتالي الموازنة تواجه عجزاً كلياً في حدود 84 مليار أو مستهدف 84 مليار في 2021م
إذا انتقلنا إلى تقديرات الموازنة بالنسبة لقطاعات مختارة منها، نجد مثلاً القطاع الزراعي حصته في الإنفاق ارتفعت من 6.1 إلى 11مليار في 2021م وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن إذا أخذنا نسبة الإنفاق أو الاعتمادات المقدرة للزراعة في 2021م مقارنة مع 2020م كنسبة من إجمالي القطاعي نجد أن الزيادة ليست بالقدر الكبير.
#ماذا تقصد؟
حصة الزراعة مثلاً في إجمالي القطاعات في 2020م، كان حوالى 1% ارتفعت إلى 1.2 فقط في 2021م إذا نظرنا إلى القطاع الصناعي والتجاري، نجد أيضاً تحسن لكنه طفيف حيث ارتفعت نسبة القطاع من 0.1% إلى 0.2% من إجمالي القطاعات ،إذا نظرنا لقطاع النقل والبنى التحتية وهذا قطاع مهم نجد أن نسبته في الإنفاق ظلت كما هي في 2020و2021 بنسبة 0.3%في قطاع الصحة في تحسن في اعتماداته في 2021م حيث ارتفعت نسبة اعتمادات القطاعات من 3.3% إلى 4.4%،التعليم كذلك طرأ عليه تحسن في نسبة الاعتمادات حيث ارتفعت من 0.4% إلى 1.7 لكن بالنسبة للصحة والتعليم فهذه زيادات لابد من النظر إلى أسبابها.
#ما أسبابها؟
في جانب الصحة مثلاً تم إرجاع كثير من المؤسسات الصحية إلى وزارة الصحة الاتحادية مرة أخرى، بالنسبة للتعليم هناك إضافات كانت خارج إطار الوزارة أضيفت إلى الوزارة فالزيادة الحقيقية في الواقع ليس بالقدر الذي احتفل به كما الحال دائماً في موازنات السودان ،فاعتمادات التعليم من المفترض أن ترتفع من 7% إلى 24% في 2021 م وهذا تقدم لكن كما ذكرت هذا تقدم لأسباب إضافية وليس نتيجة لموارد جديدة تضخ في القطاع ،أما الصحة فرغم الضجيج الذي أثير حولها للأسف الشديد اعتماداتها في موازنة 2021م انخفضت إلى 2.9 مقارنة مع 3.6 في 2020م.
#كثر الحديث عن ميزانية الأمن والدفاع ماتعليقكم؟
إذا نظرنا إلى قطاع الدفاع والأمن والشرطة نجد أن نسبته في الواقع تضاعفت في 2021م حيث ارتفعت نسبة القطاع من 11%إلى 22% مايعني أن قطاع الدفاع والأمن والشرطة يبتلع أكثر من 22%من إجمالي اعتمادات القطاعات الكلية ،إذا أخذنا الزراعة والصناعة والبنى التحتية وأخذنا التعليم نجد أن نسبة الزيادة في القطاع السيادي تكاد تساوي كل الاعتمادات لهذه القطاعات ،
#إذاً لازال هناك عدم توازن في النسبة بين القطاعات؟
الموزانة لازال فيها خلل في فقه الأسبقيات وتحتاج إلى كثير من العمل، إذا نظرنا إلى مساهمة القطاعات في الإيرادات نجد أن قطاع الدفاع و الأمن والشرطة يبتلع 22% من إجمالي الاعتمادات وفي الواقع مساهمته في الإيرادا ت تبلغ حوالى 5 مليار فقط وهذه في حد ذاتها من المتوقع أن تأتي من الشرطة أما الدفاع والأمن مساهمتهما في تقديرات الإيرادات تكاد تكون صفراً رغم إن هذا القطاع به معظم الشركات التي تسمى وهمية ومن المفترض أن تكون مساهمته في إيرادات الدولة أكثر من ذلك بكثير، فهناك مشكلة في جانب تقدير الإيرادات وكيفية الصرف على القطاعات ومساهمتها في إيرادات الدولة ،
#وقطاع التنمية؟
إذا انتقلنا إلى التنمية نجد إن هناك تحسناً متوقعاً في بعض القطاعات، لكن مايدعو للاستغراب أن بالنسبة للقطاع الزراعي نسبة اعتماداته في الجملة الكلية للقطاعات من المتوقع أن تنخفض للنصف من حوالى 29 %إلى 14 % في 2021م وهذا وضع غريب وشاذ في ظل أن 2021م هي الموازنة الثانية للحكومة الانتقالية ومن المفترض أن تكون الأسبقيات قد تغيرت كلية سواء بالنسبة للصرف الكلي أو بالنسبة للصرف القطاعي خاصة في مجال القطاعات الحيوية الزراعة والصناعة ،
#هل هناك قطاعات أخرى تواجه مشكلة انخفاض؟
هناك انخفاض أيضاً في اعتمادات الطرق والجسور وهذا قطاع حيوي ومن المتوقع أن تنخفض حصة القطاع من 11%إلى 5% في 2021م ،الكهرباء من المتوقع أن تبتلع حوالى 16%أو17 % من إجمالي اعتمادات القطاعات بالنسبة للتنمية القومية، نأمل أن ينعكس هذا إيجاباً على الوضع الكهربائي في البلاد الذي أصبح يزداد سوءاً،،
#على ضوء هذا الوضع كيف يمكن ضبط المالية العامة ؟
من الناحية الكلية أو من ناحية التنمية الصورة الكلية للموازنة أو ضبط المالية العامة لازال حلماً ولابد من العودة له وفي توقعاتي إن كل تعاملات الحكومة في الفترة القادمة مع العالم الخارجي ستكون في كيفية معالجة مشكلة المالية العامة والتي ظلت هاجساً عبر السنوات ،
#ألم تكن للحكومة مساع لحلها؟
الحكومة الحالية للأسف أزمت من وضع المالية العامة ولم تحاول جادة في حل مشكلتها مايعني إننا قد طبقنا العملية الإصلاحية بالمقلوب، بداية بالمواهي والأجور ونهاية بسعر الصرف دون المرور بالمراحل التدريجية وأسبقيات هادفة تدور حول كيفية معالجة مشكلة الميزانية العامة وتحريك القطاعات الحقيقية وزيادة الصرف عليها هذه الصورة الكلية للوضع الاقتصادي .
المصدر من هنا