غير خافٍ أن أحمد يوسف التاي، رئيس تحرير الانتباهة، وقع في محظور مهني. فبنشره خبر الكنغولية التي جاءت لتصوير أفلام إباحية في السودان، وما أثاره من ردود فعل قوية حتى تكذيبه، صارت الانتباهة هي الخبر لا الكنغولية.
لم يصدق الخبر. فشطبت نيابة الخرطوم شمال الدعوى المفتوحة ضد الفنانين الشباب الذين قبضت عليهم إثر بلاغ عن اشتراكهم مع سيدة كنغولية في تصوير أفلام إباحية. فبعد التحري معهم وفحص كاميراتهم لم يثبت ما أشاعته جريدة الانتباهة ومواقع أخرى عنهم. والحكاية كيدية. وشت بزملائها ممثلة معهم استبعدت من دور البطولة في فيلم عن مأساة المرأة الأفريقية مع قناة MESTV. وهي القناة التي تعاقدت معهم لتصوير فيلم بعد اختيارها لهم كجماعة موهوبة مبادرة كانت تكونت على مسرح الاعتصام. وجندت الممثلة قريباً لها من جهار الأمن والمخابرات لإشاعة نبأ الكنغولية الإباحية عنهم. وتسرب النبأ للانتباهة فنشرته. وقيدت النيابة بلاغاً في مواجهة الممثلة وقريبها النظامي. وخاطبت نيابة الصحافة والمطبوعات لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق جريدة الانتباهة كما أذنت لكل متضرر من هذا النشر المتفلت رفع الدعوى على الجريدة وأي موقع أشاع شائعتها.
وهكذا صارت الانتباهة هي الخبر بسبب خبر لم تحسن التحقيق فيه. وصدق التاي في قوله إن الخبر الكذوب “جلب لهم العناء الذي تنوء بحمله الجبال الراسيات”. بكلمة واحدة صارت الانتباهة هي الخبر.
قرأت للتاي كلمتين لم أخرج منهما بسوى كِبر مهني غير مستحب. فلم يلق النقد، مهما ساء، كمهني مساءل أمام من يتسقط أخبارهم وقرائه. تماماً كما تسائل الصحيفة رجال العمل العام ونسائه وتتوقع منهم الامتثال والشفافية. فلم يطرأ له أن يعيد التحقق في النبأ بعد الإثارة. بل جعل من الخبر “لقطة” أشعلت نيران الحسد والغيرة في من يستكثر على الانتباهة تربعها على عرش الصحافة السودانية.
لم يطرأ للتاي أنهم ربما لم يصدقوا في خبر الكنغولية كما اتضح. بل جعل الهجوم عليهم لنشرهم النبأ مناسبة ليفخر بأن الانتباهة هي الصحيفة التي على الجادة بينما يزيغ الآخرون. وهي عنده شقية بين مطرقة اليمين وحجر اليسار. فثار عليها الإسلاميون يوم نشرت خبراً عن “ضبط مخططات عسكرية وخطة إعلامية لتنفيذ انقلاب”. فهاجمها الإنقاذيون لأنها صارت مطية لليسار. ثم نشرت خبر الكنغولية فثار عليها اليسار وقال عنه أنه مدسوس من الكيزان. وقال التاي إنه لم ينشغل لا بهذا ولا ذاك. فكل ما في الأمر هو اختلاف الهجوم عليهم يمنة ويساراً. ثم آية قرانيه. ونحنا يانا نحن. وكدا. وقال إنهم بنشرهم الخبر كشفوا عن حساسية كبرى تجاه سلامة المجتمع. فكان الخبر إنذاراً مبكراً للقائمين على الأمر “خاصة أن السودان ليس محصناً من هذه الأمراض وهو الذي بات من غير بواب ومستباح الحمى والحدود”.
ولم يكد تلقى الشرطة على صاحبة الأمر الكونغولية في قوله حتى انخلعت قلوب مكذبي جريدته وأريق ماء وجوههم. ولم يصبر التاي على التحقيق معها أو الشبان حتى تحق عليهم التهمة. فطلب ممن كذبوه الاعتذار لأنه “سجية الشجعان”. وقال إنه لم يعرف أيفرح لسبقه الصحفي أم يحزن للحساد الذين وضعهم في فتيل. وأطرى صحفيته هاجر سليمان التي، لسبقها الصحفي، استحقت تكريم الدولة والمجتمع. فقد تكاثرت عليها السيوف ولكنها مثل شجرة الصندل تنثر عطرها كلما احتد ضرب الفؤوس عليها. وقال إنهم سيكرمونها في الانتباهة عهداً عليهم.
وبعد كل هذه الإنشاء: كذباً كاذب. فالكنغولية طلس. وأرخت الانتباهة زمامها، للأسف، لتمتطيها ممثلة سيئة الحظ ثأرية الفؤاد وظفت نظامياً ليشبع نازعات المكر فيها. ليس في هذا شروى نقير من المجد. هذا استغفال لا يصح أن تقع في براثنه صحيفة لا مالكة لأدوات التحري وحسب، بل مفترض أن تتمتع بقدر من التواضع تخفض به جناح الامتثال للمساءلة من أي مصدر جاءت. ولا أعرف من فوق أي حصان أخلاقي نعى التاي البلد الذي لم يعد له بواباً يحول دون توافد الكنغوليات لاستباحة شرفه. يا تاي بوابة مهنة الصحافة هي التي بلا حارس. وبلغت من الانفراط حداً ركبها غبين فاختلقت خبراً شغل الناس كأنهم فاضين.
بعيداً عما سيقع على الانتباهة قضائياً من صيرورتها خبراً على غير عرف المهنة أجد الانتباهة ملزمة بالاعتذار لشباب الفيلم. ما يستاهلوا هذا التنكيد. فالاعتذار “سجية الشجعان” كما قال التاي.
المصدر من هنا