الخرطوم – بهرام عبد المنعم
نفى مجلس الدفاع والأمن السوداني، الخميس الماضي، دقة الأنباء المتداولة بشأن إنشاء قاعدة روسية في البلاد.
وقال مجلس الدفاع، خلال اجتماع عقده المجلس (أعلى هيئة أمنية في السودان)؛ برئاسة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان؛ في بيان نشره مجلس السيادة : “نستنكر ما تناولته الوسائط الإعلامية من أخبار حول البدء في إنشاء قاعدة روسية.
وتناولت وسائل إعلام غربية، خلال اليومين الماضيين، عن وصول معدات روسية لإنشاء قاعدة عسكرية لموسكو في مدينة بورتسودان شرقي السودان.
وسبق أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإنشاء مركز لوجستي للقوات البحرية الروسية على الأراضي السودانية، يستوعب سفناً تحمل أجهزة طاقة نووية.
ووقع السودان وروسيا عدة اتفاقيات للتعاون العسكري، خلال زيارة الرئيس المعزول عمر البشير، لموسكو في 2017، تتعلق بالتدريب، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية لموانئ البلدين.
وخلال زيارة البشير لموسكو، تم بحث إنشاء قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر، ولكن روسيا لم تتحمس كثيراً لهذا العرض.
وفي نوفمبر الماضي، أصدر بوتين مرسوماً نشر في موقع المعلومات القانونية الروسي، أعلن فيه مصادقته على مقترح الحكومة الخاص بتوقيع اتفاق مع الخرطوم؛ حول إنشاء مركز إمداد مادي فني لقوات الأسطول الحربي البحري الروسي في أراضي السودان، بحسب موقع “روسيا اليوم” المحلي.
ووجه بوتين، عبر المرسوم، وزارة الدفاع الروسية بتوقيع هذا الاتفاق نيابة عن حكومة البلاد.
وأوضح المرسوم أن “إنشاء المركز يستجيب لأهداف دعم السلام والاستقرار في المنطقة، ويحمل طابعاً دفاعياً وليس موجهاً ضد أي دول أخرى”.
كما وافق على مشروع القرار المذكور رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، بالتنسيق مع وزارتي الدفاع والخارجية.
ومن المتوقع أن يستوعب المركز 300 جندي وموظف ولا يمكن أن يحتضن بشكل متزامن أكثر من 4 سفن عسكرية بينها حاملة أجهزة طاقة نووية مع الالتزام بمبادئ الأمن النووي والبيئي.
بالنسبة إلى الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي، اللواء ركن، أمين إسماعيل مجذوب، فإن المركز الروسي تم بناء على اتفاقية وقعت بين السودان وروسيا في العام 2017.
وأضاف مجذوب في تصريحات لــ”اليوم التالي”، “نلاحظ الآن أن التوثيق للاتفاقية بدأ من الحكومة الروسية، حيث بدأ برفع مذكرة من رئيس الوزراء إلى الرئيس بوتين الذي صادق على إنشاء المركز”.
وتابع، “الاتفاقية كانت بطلب من الرئيس السابق عمر البشير بإقامة قاعدة بحرية في ساحل البحر الأحمر في بورتسودان تحديداً ، ووقعت معها حوالي 7 اتفاقيات أخرى خاصة بالتصنيع الزراعي والأمن الغذائي، هذه الاتفاقية تمخضت عن إقامة ما يعرف بالمركز اللوجستي لخدمة السودان وراحة الطواقم وتقديم الخدمات والصيانة للسفن، هذا المركز يحوي حوالي 300 موظف وعامل ويستقبل حوالي 4 سفن في وقت واحد، ويستطيع أن يستقبل السفن ذات التوليد النووي أو التي تحمل الطاقة النووية أو تحمل أسلحة نووية”.
وأوضح أن “هذا المركز في هذا الوقت من القيادة الروسية يدخل في إطار التنافس الدولي في بحيرة البحر الأحمر، باعتباره أكبر ممر لنقل البترول من منطقة الخليج إلى مناطق العالم المختلفة والدول الصناعية في جنوب شرق آسيا “.
وأشار إلى أن “المناورات تمت باعتبار أن هناك وجوداً أمريكياً وصينياً وفرنسياً في جيبوتي، وترغب روسيا للبقاء في هذه المنطقة نظراً للتطورات الأمنية الموجودة في اليمن، ووجود تحالف عاصفة الحزم في اليمن، والوجود الإيراني في اليمن، معلوم أن إيران لها علاقات مع روسيا، وأيضا هناك ما يعرف بحرب الموانئ، كالحرب الخاصة بتقديم خدمات الموانئ للسفن تتصارع عدد من القوى الإقليمية على الساحل السوداني في محاولة لاستئجار الموانئ السودانية، مثلما تم استئجار موانئ عصب ومصوع وعدة موانئ في الصومال وجيبوتي”.
وزاد، “القيادة السودانية لم تصدر بياناً إلى الآن أو تصريحاً يؤكد على هذه الأنباء أو ينفيها، ولكن المؤكد أن الاتفاقية تم توقيعها، وستكون سارية المفعول ما تم التصديق عليها من الأجهزة التشريعية في روسيا وفي السودان”.
وأكد أن “السودان يستفيد حقيقة في الحصول على صفقة من الأسلحة الدفاعية وأنواع أخرى من الطائرات مثلما جاء في تصريحات رئيس الحكومة الروسية بمنح الحكومة أسلحة دفاع جوي متطورة لتأمين المركز اللوجستي وتأمين الساحل السوداني”.
وأضاف، “الموقع هو على ساحل البحر الأحمر تقريباً شمال مدينة بورتسودان؛ ويمتد حتى منطقة حلايب وشلاتين، ولكن لم يتم تحديد نقطة بعينها، وأن روسيا تحاول تأمين وتثبيت وجود لها في البحر والمنافسة مع الدول الكبرى على إثبات النفوذ في هذه المنطقة والتأثير على دول الخليج، خاصة وأن السودان الآن يرتبط بعلاقات جيدة مع دول الخليج بعد التغيير والثورة في السودان”.
من جهته؛ يقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد عبد العزيز، إن “إنشاء المركز اللوجستي على سواحل البحر الأحمر بالسودان، تعتبر مناورة روسية، خاصة وأن السودان أصبح على تقارب مع الولايات المتحدة، ودول الغرب بصورة عامة، خاصة وأن البحر الأحمر يعتبر ممراً استراتيجيا”.
وأوضح عبد العزيز، في حديثه لـ”اليوم التالي”، أن أي تقارب بين روسيا والسودان في المرحلة الحالية، يشكل مصدر قلق بالنسبة لحلفاء السودان في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
وأضاف، “المركز اللوجستي الروسي على ساحل البحر الأحمر بالسودان يحتاج إلى أموال طائلة، وأن روسيا تهتم حالياً بسواحل البحر الأبيض المتوسط، لتأمين مصالحها في سوريا، وإمدادات الغاز إلى الدول الأخرى”.
من جهته؛ يقول الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله رزق، “هناك توجه روسي لتوسيع نفوذ موسكو في إفريقيا، ويبدأ بالمعاهدات، وصفقات السلاح، وبالتعاون العسكري وإنشاء قواعد عسكرية”.
وأضاف رزق في حديثه لـ”اليوم التالي”، “ربما كانت إفريقيا الوسطى التي سبقت السودان في هذا المجال آخر حلقة في سلسلة طويلة من البلدان الإفريقية، التي وطدت صلاتها بموسكو. وقد كانت استضافة السودان لمفاوضات سلام بين فرقاء الصراع المحتدم في إفريقيا الوسطى، بمبادرة روسية، أول إشارة للتقارب الجاري بين الخرطوم وموسكو. وقد أثارت مبادرة السلام الروسية غضب فرنسا، التي رأت في التمدد الروسي الذي شمل مستعمرتها السابقة، تحدياً لها”.
وتابع، “خلال ثورة ديسمبر، شوهدت سيارات تتبع لشركة أمنية تراقب التظاهرات، كان ذلك مؤشراً لتعاون أمني بين الطرفين، على مستوى التدريب، على الأقل. لكن زيارة عمر البشير لموسكو، ولقائه بالرئيس الروسي بوتين، كشف عمق توجهات السودان تجاه موسكو. فقد نقل عن البشير أنه طلب من بوتين حمايته من أمريكا ومخططاتها. من هذه الزيارة نتج الاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان، كما رشح في أجهزة الإعلام حينئذ.
وزاد، “ربما تكون تلك هي المرة الأولى التي يستضيف أو يسمح السودان باستضافة قاعدة عسكرية، منذ مؤتمر باندونغ الذي شارك فيه السودان، قبيل استقلاله، وهو المؤتمر الذي كرس سياسة عدم الانحياز والحياد بين المعسكرين، الغربي الرأسمالي، والشرقي الشيوعي، ومناهضة قيام القواعد العسكرية والأحلاف، التي يتبناها المعسكران. وقد اعتبر هذا من الموقف من قبل بلدان العالم الثالث من مكملات الاستقلال الوطني. لذلك فإن القبول باستضافة قواعد عسكرية، أيا كانت جنسيتها، هو خروج على أحد ثوابت السياسة السودانية. ومن شأن مثل هذه الارتباطات، التي قد تنتهك السيادة الوطنية، أن تورط السودان في نزاعات خارجية ليس له مصلحة فيها”.
ومضى قائلا، “ويلاحظ أن هذه السياسات الماسة بالاستقلال والسيادة الوطنية يتم اتخاذها، بليل، وبدون وضوح بشأن تفاصيلها، بعيداً عن مشاورة الشعب، وفي غياب مجالس نيابية تمثله، وتعبر عن إرادته”.
وفي أكتوبر 2019، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لدى لقائه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، على هامش القمة الروسية الإفريقية في مدينة سوتشي، دعم السودان من أجل تطبيع الوضع السياسي الداخلي.
وفي سبتمبر2019، التقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقر الأمم المتحدة، على هامش الدورة 74 للجمعية العامة في نيويورك.
واتفق الجانبان على مواصلة التعاون بينهما، والتنسيق في جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك، بحسب وكالة السودان للأنباء.
وفي مايو 2019، تم تفعيل اتفاقية دخول السفن الحربية لموانئ البلدين، رغم عزل البشير، الذي بدأ انفتاحه على روسيا خلال السنوات الأخيرة من حكمه (1989-2019).
وفي 11 نوفمبر الماضي، تسلم السودان، سفينة تدريب حربية مهداة من روسيا، في إطار التعاون العسكري بين الخرطوم وموسكو.
وذكرت وكالة أنباء السودان الرسمية، أن قيادة القوات البحرية السودانية تسلمت بقاعدة بورتسودان البحرية “فلامنجو” سفينة التدريب الحربية المهداة من جمهورية روسيا الاتحادية.
وأوضحت أن “الخطوة تأتي في إطار التعاون العسكري المتطور بين الخرطوم وموسكو”.
المصدر من هنا