في كثير من الأحيان قد لا يحتاج الكاتب منا إلى توصيف حالة المأساة خاصة عندما يقوم شهود العيان أو المراقبين أو المختصين بتوضيح الملابسات وتشخيص الظاهرة أو الحالة وهذا ما استوقفني في هذا الخبر المؤسف والذي نقله موقع مهاجر نيوز مورداً الآتي:
“كشف مهاجر سوداني عن تمكنه من التعرّف على عدد من المهاجرين الذين قضوا نحبهم في حادث غرق القارب يوم الجمعة الماضي أمام سواحل ليبيا، والذي أسفر عن مصرع ما يزيد عن 130 ضحية.
وفي تصريحاته التي عبّر خلالها عن مدى حزنه وألمه بسبب هذا الحادث المأساوي؛ تساءل المهاجر السوداني: حتى متى ستظّل القارة الأفريقية تخسر أبنائها كضحايا بسبب محاولات الهجرة في البحر المتوسط؟ وأفاد بالقول: شبكات التهريب كانت على علم بأن الأجواء المناخية لا تساعد على القيام بهذه الرحلة، ورغم ذلك تم تسيير الرحلة، وهذه جريمة تستوجب المساءلة لإقرار العدالة.
وأضاف المهاجر: المهاجرون البسطاء كانوا يتمنون تحقيق ولو جزء بسيط من أمانيهم، ولم يجدوا من سبيل سوى خوض هذه المغامرة، ولكن الواقع المؤلم جعلهم يلقون حتفهم، وهم يهربون من مجتمعات عجزت عن توفير الحدّ الأدنى من متطلباتهم.
وأعرب المهاجر السوداني عن إدانته لنهج الاتحاد الأوروبي، الذي تقاعس عن إنقاذ هؤلاء الضحايا وإعادتهم إلى ليبيا، خاصة أن غالبية الضحايا لا تزيد أعمارهم عن 18 عامًا، وبعضهم اضطر لبيع كل ما يملك من أجل الهجرة، وتركوا عائلاتهم تحت هموم الديون.
وأكد أن أشدّ ما يؤلم في مثل هذه المآسي أنها تحدث بشكل موثق حيث يخرج مرتكبوها بفيديوهات عبر مواقع التواصل، وأضاف أن السلطات الأوروبية قادرة على تقديم مرتبكي هذه الجرائم للمحاكمات ليلقوا جزاءهم العادل، كما يمكن إجبار السلطات الليبية على محاكمتهم، إلا أن شيئًا من ذلك لا يحدث”.
لجد كم هذه الراوية مؤلمة ولكنها أيضاً تعطي الحقيقة شاخصة معبرة ، فسودان ما بعد الثورة ما زال يترنح وإن نجحت حكومة الثورة في فك العزلة الخارجية ورفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب متجاوزة أثقل تركات الانقاذ التي أقعدت بالبلاد درحاً من الزمان ، وإن استطاعت الحكومة تحقيق سلام جزئي وتسعى لإكماله إلا أنها ما زالت فاشلة في حلحلة الأزمة الاقتصادية التي تراوح مكانها ولم تحقق أهداف الثورة وأحلام الثورة الذين يتطلعون لسودان تتوفر فيه الحياة الكريمة، ولذلك وبالرغم من التغيير الذي حدث ، لم يجد الشباب غير العودة مجدداً لذات الخيارات السابقة وأكثرها بؤساً (ركوب السمبك) فعادوا للمغامرة من جديد للوصول إلى أوروبا ولكن الموت كان دوماً ينتظرهم في أعماق البحر لتتبدد أحلامهم .
يتزامن هذا الخبر مع وفود رسمية وشعبية امتطت الرحلات عبر طيات السحاب وصولاً لانجمينا لتعزية أهلها في فقيدهم وفقيد القارة السمراء إدريس ديبي، وبالكاد العزاء واجب لابد من القيام به ، ولكن السؤال لماذا لم تقيم الحكومة سرادق عزاء أو حتى تصدر بياناً بشأن هؤلاء الضحايا الشهداء ، ألا يحق لهم أن تترحم حكومتهم عليهم ، ما دام أنها فشلت في توفير العيش الكريم لهم فخرجوا يبحثون عنه في عرض البحر يتزاحمون على قارب صغير ويدركون النهاية المحتومة ولكنهم لم يجدوا بديلاً غير مواصلة الرحلة حتى النهاية؟
ما صرف على الطائرات التي أقلت الوفود للعزاء في ديبي تكفي لمعرفة أين لقي هؤلاء الشباب مصرعهم وقبل ذلك من هم وإلى أي أسر ينتمون ، وكان من الممكن الاكتفاء بمشاركة البرهان في تشييع ديبي بساحة النصر بانجمينا، الرحمة والمغفرة لهم وأسكنهم الله فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
الجريدة
المصدر من هنا