القاهرة : صباح موسى
تشهد الأحداث على صعيد أزمة سد النهضة تطوراً جديداً ، بتعيين الولايات المتحدة الأميريكية مبعوثاً خاصاً بالقرن الأفريقي؛ من ضمن مهامه ملف سد النهضة، بالإضافة إلى أزمة التيجراي، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أمس الأول (الاثنين)، أن المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان سيزور مصر وإريتريا وإثيوبيا والسودان لبحث تسوية سلمية في المنطقة، وتستمر زيارة فيلتمان للمنطقة في الفترة من 4 إلى 13 مايو، وذكر البيان أن زيارة المبعوث الخاص تؤكد أن الإدارة الأمريكية تعتزم مواصلة الجهود الدبلوماسية المستمرة للتغلب على الأزمات السياسية والأمنية والإنسانية في القرن الأفريقي.
زيارة المبعوث
وتأتي زيارة المبعوث الأمريكي للمنطقة بعد أيام من إعلان إثيوبيا قرب اكتمال أعمال بناء سد النهضة وبدء الملء الثاني في موعدها؛ رغم الرفض السوداني والمصري، كما أن بيان الخارجية الأميريكية حول وصول مبعوثها للقرن الأفريقي لم يحدد صراحة مهام المبعوث، وهل من ضمنها سد النهضة أم لا؟، كما تأتي جولة المبعوث الأمريكي للمنطقة بعد أيام من دعوة السفير المصري لدى واشنطن، الولايات المتحدة للتدخل لإنقاذ المفاوضات المتعثرة، في الوقت الذي أعلنت فيه إثيوبيا قرب اكتمال أشغال بناء السد، وجددت عزمها بدء التعبئة الثانية كما هو مُخطط له في يوليو المقبل، رغم الرفض المصري السوداني وعدم التوصل لاتفاق قانوني مُلزم يضمن مصالح دولتي المصب، وطالب السفير المصري لدى واشنطن، الولايات المتحدة بالتدخل لإنقاذ المفاوضات المتعثرة، معتبراً أنها الوحيدة القادرة على تحقيق نجاح في المفاوضات. فإلى أي مدى سيكون التدخل الأميريكي على خط الأزمة هذه المرة (مجدٍ)، وسبق أن الخارجية الأميريكية أرسلت وفداً برئاسة المبعوث الخاص للسودان دونالد بوث نهايات مارس الماضي، وضم الوفد النائب الرئيسى لمساعد وزير الخارجية للشؤون العلمية والبيئية الدولية والمحيطات جوناثان مور، ونائبه مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى كارين ساساهارا، إلا أن زيارة هذا الوفد للدول الثلاث بجانب الكونغو الديمقراطية رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي لم تفضِ إلى شيء، وأبلغت أديس أبابا الوفد، وقتها، أنها ترفض الوساطة الرباعية التي طرحها السودان وأيدته مصر بشدة.
غير مقبولة
أديس أبابا من جانبها جددت تمسكها بقيادة الاتحاد الأفريقي لمفاوضات سد النهضة، رافضة تصريحات السودان بشأن تبعيّة إقليم بني شنقول المُقام عليه السد ووصفتها بأنها (غير مقبولة)، وفي مؤتمره الصحفي الأسبوعي بأديس أبابا قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، السفير دينا مفتي أمس (الثلاثاء)، إن التصريحات السودانية العدائية مستمرة ولم يكتفِ السودان بالاعتداء على أراض إثيوبية، بل انتقل إلى الادعاء بتبعية إقليم سد النهضة، في محاولة للادعاء بأن السودان هو المعتدي في الخلاف الحدودي بين البلدين، واعتبر أن تصريحات السودان بشأن تبعية إقليم بني شنقول جوموز (أمر مُخزٍ)، ونرفضه تمامًا وسنصدر بيانًا مفصلًا حوله، وزعم أنها تأتي في إطار الضغط على إثيوبيا بخصوص سد النهضة – على حد تعبيره، وأضاف أن بلاده ستظل تتمسك بقيادة الاتحاد الأفريقي لمفاوضات سد النهضة، ولن تقبل بتحركات السودان لربط مسألة الحدود بهذا الملف. وتتزامن التصريحات الإثيوبية مع جولة المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي.
بني شنقول
أما الخرطوم فكانت قد لوحت بإعادة النظر في سيادة إثيوبيا على إقليم بني شنقول قُمُز المُقام عليه سد النهضة، متهمة أديس أبابا بمحاولة التنصل من المعاهدات الدولية بشأن مياه النيل وترسيم الحدود بين البلدين، لا سيّما اتفاقية عام 1902، التي ألزمتها بعدم إنشاء أي أعمال على النيل الأزرق كما رسمت الحدود بين البلدين ومنحت إثيوبيا أرض بني شنقول، وقالت وزارة الخارجية – في بيان لها قبل يومين – إن التنصل من الاتفاقات السابقة يعني أيضاً أن تتخلى إثيوبيا عن سيادتها على إقليم بني شنقول (موقع سد النهضة) الذي انتقل إليها من السودان 1902، بموجب الاتفاقية التي تعدها إثيوبيا استعمارية. ويقع إقليم بنى شنقول غرب البلاد، وتوافقت عليه أديس أبابا لإقامة مشروع سد النهضة فيه على النيل الأزرق، على بُعد نحو 40 كيلو متراً من الحدود السودانية، ويقطنه قرابة 4 ملايين نسمة، معظمهم من أصول سودانية، وأكثر من نصفهم مسلمون، وما زالت عاداتهم سودانية النزعة، رغم محاولات إثيوبيا الدفع بسياسات التغيير الديموغرافي، وتبلغ مساحة الإقليم حوالي 50 ألف كيلومتر مربع، وتعد قبائل بنى شنقول، أكثر القبائل كثافة بالإقليم الذي سُمي باسمها طبقاً للدستور الفيدرالي الإثيوبي الذي ينص على تسمية الأقاليم بأكبر جماعة عرقية فيها.
خطط التفادي
أما القاهرة فقد كشفت وزارة الموارد المائية والري المصرية قبل يومين، عن خططها لتفادي خطر الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي، وقال محمد غانم، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، إنه تم الاستعداد لكل السيناريوهات المحتمل حدوثها وفقاً لأسوأ الظروف، من خلال إدارة منظومة قوية لكل قطرة مياه، مضيفاً “لدينا 4 خطط رئيسية لتخفيف آثار أية أزمة محتملة، وأكد غانم – في تصريح صحفي – على أن الوزارة شرعت في تنفيذ مشروع تأهيل وتبطين الأرض والمصارف، من خلال تبطين 8 آلاف و200 كيلو، بتكلفة تجاوزت الـ18مليار جنيه، مشيراً إلى أن إجمالي تكلفة المشروع تبلغ 80 مليار جنيه، وأضاف المتحدث أن هذه الخطوة تتيح تدفق المياه في نهايات الأراضي وتقلل نسب الهدر في المياه، لافتاً إلى أن المخطط الثاني هو أعمال صيانة وإنشاء 92 محطة خلط ورفع المياه، والتي تعمل بكفاءة عالية وتصرف المياه في توقيتها، خصوصاً خلال فترة أقصى الاحتياجات، وتابع أن المخطط الثالث يتمثل في تدشين سحارة المحسمة بتصريف مليون متر مكعب يومياً، ومصرف بحر البقر الذي يعالج 5 ملايين متر مكعب يومياً، وهي أكبر محطة معالجة في العالم، بالإضافة إلى تدشين محطة الحمام الجديدة التي تخدم مشاريع الدلتا الجديدة، وزاد أن المخطط الرابع هو تشجيع المزارعين على اللجوء إلى الري الحديث في الأراضي الصحراوية، ثم بالأراضي القديمة، حيث يتم العمل على 4 ملايين فدان بوسائل الري بالتنقيط والري بالرش، بديلاً للري بالغمر، حيث أن الزراعة تستهلك النسبة الكبرى من مياه النيل، مشيراً أن مصر ترفض عملية الملء الثاني لسد النهضة بشكل أحادي، حيث تتأثر مصر والسودان بكل تأكيد، مضيفاً أن إثيوبيا لم تولد طاقة العام الماضي وبنسبة كبيرة لن تولد هذا العام، ولكنها تسعى لفرض سياسة الأمر الواقع، وهو ما ترفضه القاهرة.
الفرصة الأخيرة
ويرى بعض خبراء مصريين أن الجولة الأميركية في المنطقة لن تنجح إلا إذا التزمت إثيوبيا، وهو أمر مستبعد إذا ما استرجعت الحالات السابقة التي توسطت فيها أميريكا والاتحاد الإفريقي، فيما لم تبد إثيوبيا أي مرونة أو رغبة وإرادة في الوصول لحل. فيما اعتبر الدكتور مساعد عبد العاطي المستشار في القانون الدولي في شؤون المياه أن زيارة المبعوث الأميريكي للمنطقة هي الفرصة الأخيرة لإثبات حسن نية الولايات المتحدة. وقال عبد العاطي لـ (اليوم التالي) إن مصر والسودان سينتظران حتى نهاية جولة الوفد في الثالث عشر من الشهر الجاري، وبعدها إذا فشلت هذه المساعي الأميريكية سيعود الملف إلى مجلس الأمن مرة أخرى لتبني موقف، داعياً إلى ضرورة بذل جهد دولي لاحتواء الأزمة قبل تفاقمها، مؤكداً أن مقالة السفير المصري بالولايات المتحدة الأميريكية قبل يومين حملت رسائل وتحذيرات صريحة وواضحة للمجتمع الأميريكي بضرورة التدخل، ومقدرة الولايات المتحدة على ذلك إذا توفرت الإرادة.
تنسيق مع الاتحاد
من جانبه؛ أكد الدكتور عباس شراقي الخبير المصري في المياه؛ أن هناك جهوداً مبذولة من رئيس الاتحاد الأفريقي رئيس الكونغو الديمقراطي. وقال شراقي لـ (اليوم التالي) إنه من المتوقع أن يقوم رئيس الاتحاد الأفريقي بزيارة الدول الثلاث في الأيام القليلة المقبلة لحلحلة الموقف، مضيفاً أنه سيكون تنسيق بين زيارة المبعوث الأميريكي وزيارة رئيس الاتحاد، وتابع: من المهم جداً توحيد الجهود والتحرك السريع للوصول إلى نتيجة سريعة ومشتركة، متوقعاً أن الأمور ستحل، ومن المفترض الإعلان عن قمة ثلاثية بين الدول الثلاث، مؤكداً أن منطقة القرن الأفريقي مهمة جداً للولايات المتحدة، لافتاً إلى أن الاهتمام الأميريكي بالملف في إدارة بايدن، مقارنة بإدارة ترامب، وقال : ومع ذلك نرى أنه ليس هناك خلاف جوهري ومستحيل، فمصر والسودان يوافقان على الملء الثاني ولم يرفضوه، فقط ضرورة التوقيع على اتفاق قانوني ملزم.
المصدر من هنا