مع ذلك // عبد الله علي إبراهيم
نميري: كانوا يأتون لاستقبالي كالنمل (like ants)
ربما كان حظنا من طرافة زعمائنا السياسيين قليل. أكثرهم باهت من فرط جدية لا مجدية. أذكر أن توقفت عند فكاهة مروية عن الزعيم أزهري. قيل إنه شوهد يركب دراجة مرة. وقام “سداري”. فقيل له:”وبتقوم سداري يا أستاذ”. فلولح رجليه وقال:”وبنعمل حركات”. وتلك التي رواها عنه أحمد محمد سعد زميله في التدريس. فلقيه مرة سأله إن كان رفض النقل لمدرسة حنتوب الثانوية بشرق مدني لنشاطه الوطني في العاصمة. فقال: “وما حنتوب”. وكان أستاذنا عبد الخالق محجوب يطعم خطاباته السياسية بالفكاهة. أزعجه مرة قول الاتحاديين المتكرر إنهم من رفع العلم فقال: “هو العلم دا كم طن؟”
النميري ربما اختلف في أنه صاحب طرف وموضوع طرف. فهو “قندف” أم درماني. من طرفه ما جاء في مناقشة له مع الرفيق الشفيع أحمد الشيخ. قال للشفيع لماذا رفضتم عرضي عليكم بالانقلاب قبل ٢٥ مايو ١٩٦٩. فقال له الشفيع إن خطتنا هي الثورة على المدى الطويل نبني الاشتراكية طوبة طوبة. فقال له نميري: “لو في زول جاكم بلوري طوب ما ريحكم”.
وتجده طرفاً عنه شريكا فيها. فجاء عن بروفيسور على عبد الله علي (الصحافة 5 فبرائر 2009) خبراً طريفاً عنه. قال كان نميري تولى وزراة التخطيط في غياب وزيرها. وجاء السيد شاهد حسن من البنك الدولي. فاجتمع به نميري مع نخبة إداريين منهم دكتور نصر الدين المبارك. وتطرق الحديث للإحصاء السكاني. فقال نميري للزائر (ليترجم نصر الدين) إن الناس كانت تخرج لاستقباله “زي النمل” خلال زياراته العديدة لقرى وأرياف ومدن السودان. وزاد بأن ذلك جعله يعتقد أن سكان السودان لا يقلون عن 42 مليون نسمة. فترجم نصرالدين مجمل قول الرئيس عن تقديره لسكان السودان بغير ذكر النمل. فتدخل نميري: يا دكتور إنت عايز تترفت. ترجم كلامي كله. فقام نصرالدين وبحياء شديد وترجم عبارته “زي النمل” ك “like ants”. وكاد الجميع ينفجر ضحكاً بما في ذلك نميري حين سمع like ants.
أما الطرفة الثانية عن نميري فقد رواها الأستاذ مكي سنادة في لقاء له بجريدة الأحداث (١٣ أغسطس ٢٠١١). قال فيه إن مسرحياته “خطوبة سهير» و”سفر الجفا” كانتا ذات تأثير كبير على الجمهور. فثلاثة أشخاص تابوا عن شرب الخمر بسبب شخصية “خليل” في “خطوبة سهير”. فخليل مدمن خمر وتسبب إدمانه في فسخ خطوبة ابنته سهير أكثر من مرة. واتصلت أسر التائبين بالمسرح لتبلغهم نبأ اقلاعهم عن الشرب. وقال سنادة، الذي مثل دور خليل، في ناس لم يتأثروا فقط من بعيد بل سمع توبيخهم بأذنه. فكان يسمع لشتائم من محتجين بالصالة “لما أجي طاشم” مثل قولهم: “يا راجل ما تختشي خربت على بتك”. بل كان في ناس يقصدونه ويشموه شخصياً ليروا إن كان سكراناً بالفعل.
وهنا طرفة نميري. قال سنادة إن الرئيس نميري من أكثر من تأثر بمسرحية “سفر الجفا”. فدارت المسرحية حول الهجرة من الريف التي بدت رضوضها النفسية على الناس في تلك الفترة. وقال سناده إنهم كانوا يسمعون من الصالة “جعير” متفرجين تأثروا لمواقف شقية عن الهجرة والانقطاع عن الأهل. وحضر نميري عرضاً للمسرحية. وصعد عند نهاية العرض للمسرح لتهنئة الممثلين. وكانت المفاجأة أنه رفض مصافحة الممثل الذي قام بدور “حسن” شرير المسرحية. وقال سنادة إنه سمع بعد يومين أن نميري سافر لقريته في الشمال “ود نميري” وقضى بها شهراً.
ربما كانت الطرافة في ردهات الدولة أكثر مما قدرت والعتب على الرواة.