انحدار الجنيه ينهك قدرة السودانيين الشرائية
ارتفاع الأسعار يدفع السودانيين إلى شراء حاجاتهم من المتاجر بالدفع المؤجل بعد أن زاد التضخم لأكثر من 340 في المئة.
الخرطوم – تواجه العملة السودانية صدمات متتالية في ظل التراجع الحاد في قيمتها، رافقها ارتفاع غير مسبوق في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، ما هدد بشكل جدي قدرة المواطنين الشرائية وسط توقعات بأن يرتفع التضخم إلى مستوى أكبر.
ورغم الجهود التي تبذلها الحكومة في مواجهة الانحدار المتسارع للجنيه، في ظل تراجع مشتريات النقد الأجنبي بالبنوك إلى أقل من 400 ألف دولار يوميا، فإنه من الواضح أن الأوضاع قد تخرج عن السيطرة بعد أن واصلت العملة الانخفاض بالتزامن مع زيادة حجم المضاربات وشح المعروض من النقد الأجنبي.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن متعاملين في سوق الصرف قولهم إن سعر الدولار وصل إلى قرابة 404 جنيهات، وهو أكبر تراجع للعملة السودانية التي كانت قبل ثلاث سنوات أقوى، حيث كان سعر صرف الدولار عند 45 جنيها فقط.
وخشية غليان الأسعار بشكل أكبر أصدر وزير التجارة والتموين علي جدو آدم بشر قرارَ تشكيلِ لجنة عليا برئاسته وعضوية آخرين من أجل الإعداد للحملة القومية للرقابة على الأسواق وضبط الأسعار.
وحدد القرار مهام واختصاصات اللجنة في القيام بحملات رقابية تفتيشية مستمرة على الأسواق في العاصمة الخرطوم كمرحلة أولى وتعميمها على بقية الولايات
لاحقا.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية عن بشر قوله إنه “سيتم اعتماد أسعار السلع الاستهلاكية حسب الأسعار التأشيرية التي يتم تحديدها وفق نص المادة الخامسة من قانون حماية المستهلك لسنة 2019 والالتزام بالمواصفات القياسية للسلع”.
وبالإضافة إلى ذلك سيتم التأكد من الالتزام بالعرض والاشتراطات الصحية للمتاجر والسلع والعاملين في تلك المتاجر وكذلك توعية المواطنين بحقوقهم كمستهلكين وفق ما أشير إلى ذلك ضمن القوانين.
ودفع ارتفاع الأسعار الحاد السودانيين وخاصة الفقراء إلى شراء حاجاتهم من المتاجر بالدفع المؤجل بعد أن زاد التضخم لأكثر من 340 في المئة وهناك نقص حاد في كل شيء بدءًا من الطاقة الكهربائية وصولا إلى الأدوية، كما جعل ارتفاع أسعار الوقود تكلفة وسائل النقل العامة فوق طاقة الكثيرين.
ولتخفيف تلك المعاناة وتبعات الإصلاحات الاقتصادية طرحت الحكومة برنامجا تموله جهات مانحة يهدف إلى تقديم دخل شهري أساسي مؤقت قدره خمسة دولارات لنحو 80 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 43 مليون نسمة.
جدو آدم بشر: سنطلق حملة رقابة كبرى لفرض اعتماد الأسعار التأشيرية
ويعد هذا المقترح الذي بدأ في فبراير الماضي اختبارا للحكومة الانتقالية بالشراكة بين المدنيين والجيش والتي تقود البلاد حتى 2023.
ويشكو الكثير من السودانيين من أنهم لم يشعروا بعد بأي منافع بعد الانتفاضة التي خرجت في الأساس بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وأطاحت بالرئيس السابق عمر البشير قبل عامين.
وجاء برنامج دعم الأسرة في وقت تسعى فيه الحكومة لمواصلة تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي قاس يراقبه صندوق النقد الدولي على أمل الحصول على تخفيف من عبء دين يصل على الأقل إلى 50 مليار دولار وعلى أمل الحصول على تمويل من مقرضين دوليين.
وشملت تلك الإصلاحات الجاري تطبيقها خفضا حادا في قيمة العملة في فبراير وخفضا في دعم الوقود على مدى النصف الثاني من العام الماضي.
وقال صندق النقد الدولي في تقرير صدر في أكتوبر الماضي بشأن تلك الإصلاحات إنها قد تؤدي إلى انكماش اقتصادي وارتفاع أكبر في نسبة التضخم واضطرابات اجتماعية على المدى القصير.
ويقول مسؤولون إن برنامج توفير الدخل الأساسي، المعروف باسم برنامج دعم الأسر (ثمرات)، هو محاولة للتخفيف من وطأة تلك الإجراءات.
وقالت ميلينا ستيفانوفا المسؤولة عن ملف السودان في البنك الدولي لوكالة رويترز في وقت سابق إن “مسحا شمل أكثر من ثلاثة آلاف أسرة في أنحاء السودان وأجري في الفترة الفاصلة بين نوفمبر ويناير الماضيين أظهر أن نحو 30 في المئة لا يستطيعون شراء سلع أساسية مثل الخبز والحليب وسط تفاقم زيادات الأسعار بسبب جائحة كوفيد – 19”.
وتأجل إطلاق البرنامج حتى أواخر فبراير الماضي، لأن المانحين اشترطوا تقليص الهوة بين سعر الصرف الرسمي للعملة وسعرها في السوق السوداء قبل ضخ الأموال التي تعهدوا بها العام الماضي.
ويؤكد محمد الجاك، وهو أستاذ في الاقتصاد في جامعة الخرطوم، أن تأجيل تطبيق البرنامج يقلل من أثره بسبب تسارع ارتفاع التضخم في السودان.
ويقول البنك الدولي إن السودان تلقى حتى الآن 820 مليون دولار منه ومن دول مانحة لتمويل المرحلتين الأوليين من البرنامج اللتين تستهدفان 24 مليون نسمة في 12 ولاية لمدة ستة أشهر.
ولم يحصل البرنامج بعد على تمويل كاف للوصول إلى ما تبقى من العدد المستهدف وهو 32.5 مليون نسمة.