السودان الان

حل برلمان الجنوب: أصدر سلفاكير ميارديت قراراً بحل البرلمان القومي ومجلس الولايات بجنوب السودان تمهيداً لإعادة تكوين البرلمان الجديد وفقاً لاتفاق السلام مع رياك مشار، وسط تخوفات من تأخير تنفيذ بنود السلام وعلى رأسها الترتيبات الأمنية، علاوة على وجود حركات أخرى خارج العملية السلمية؛ مايهدد بشبح الحرب الأهلية من جديد، ويرجح تمديد المرحلة الانتقالية وتأجيل الانتخابات في نهاية العام المقبل.

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

 

القاهرة : صباح موسى
أصدر رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت أمس (الأحد) قراراً بحل البرلمان القومي ومجلس الولايات، وذلك بعد انتهاء مدة جميع أعضاء البرلمان القومي ومجلس الولايات، في خطوة تمهد الطريق أمام إعادة تكوين البرلمان الجديد بموجب اتفاق السلام الموقع في سبتمبر عام 2018 بين الحكومة والمعارضة المسلحة بدولة جنوب السودان بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والذي تم بموجبه تشكيل حكومة إنتقالية ممثلة لجميع الأطراف الموقعة، دون استكمال كافة هياكلها.

تشكيل البرلمان
وكانت أطراف اتفاق السلام قد اتفقت على أن يضم البرلمان القومي 550 عضواً، تحصل فيه الحكومة برئاسة سلفاكير على 332 عضواً ، والمعارضة المسلحة بقيادة ريك مشار على 128 عضواً، بينما يتم تمثيل مجموعة أحزاب المعارضة الأخرى بـ 50 عضواً، كما اتفقت الأطراف أيضاً على أن يضم مجلس الولايات 100 عضو يتم توزيع مقاعدهم بحسب النسب المخصصة لكل طرف في اتفاق السلام.

خطوة متأخرة
ويأتي قرار سلفاكير بحل البرلمان ومجلس الولايات، خطوةٌ متأخرة على طريق تنفيذ استحقاقات السلام بالجنوب، ولكنها جاءت بعد عدة ضغوط مارسها المجتمع الدولي على الحكومة في جنوب السودان لتكملة بقية مؤسسات الفترة الانتقالية، وطالبت دول غربية الأسبوع الماضي أطراف الحكومة الانتقالية بجنوب السودان بإتمام استحقاقات السلام، مؤكدة التزامها بدعم هذا البلد، وذلك عبر رسالة وقّعت عليها (الترويكا) والتي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، وكندا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، ودعت تلك الأطراف في رسالتها حكومة جنوب السودان إلى تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية. وعلى مستوى الداخل كانت قد طالبت مفوضية مراقبة وتقييم اتفاق السلام بدولة جنوب السودان بدايات أبريل الماضي الحكومة الانتقالية بالإسراع في تشكيل البرلمان ومجلس الولايات، كما حثت المفوضية التي تضم ممثلين من الحكومة والمعارضة، بالإسراع بتشكيل المجالس التشريعية بالولايات العشر، مع ضرورة الالتزام بتمثيل المرأة وفقاً للنسبة المحددة باتفاق السلام.

رسالة الترويكا
وجاء في رسالة الترويكا مع اقتراب الذكرى العاشرة لاستقلال البلاد عن السودان، “وقفنا إلى جانب شعب جنوب السودان في سبيل الحصول على استقلاله، مع دعم الجهود السياسية والإنسانية بالبلاد، إلا أن استمرار النزاعات والحروب ظل يشكل مصدر قلق دائم بالنسبة لأصدقاء هذا البلد”، وأضافت الرسالة ” لقد قدمت الترويكا دعماً كبيراً ومقدراَ لجنوب السودان منذ حصوله على استقلاله عام 2011، وما زلنا ملتزمين بالاستمرار في دعمه، لكننا نرى أن تحقيق أي تقدم في مواجهة التحديات العديدة التي تواجهها البلاد يتطلب التزاماً حقيقياً من قبل حكومة الوحدة الوطنية”، وحثّت المجموعة الدولية في رسالتها، الحكومة الانتقالية بجنوب السودان على اتخاذ تدابير فورية لحماية العاملين في المنظمات الإنسانية، وتمكينهم من الوصول للمتضررين لتقديم المساعدات الضرورية، كما طالبتها بالعمل مع حكام الولايات لحل النزاعات المجتمعية، وتقديم المتورطين في أعمال العنف المجتمعي للمساءلة الفورية، وناشدت الأطراف الموقعة الحكومة الانتقالية بتنفيذ إصلاحات تتماشى مع الفصل الرابع من الاتفاقية المنشطة، ووقف انتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار، وإعادة تشكيل الهيئة التشريعية القومية ومجالس الولايات، وتخريج القوات الموحدة، والبدء في عملية وضع الدستور الدائم بالبلاد.

تحديات الاتفاقية
وتواجه اتفاقية السلام المنشطة بجنوب السودان عدداً من التحديات المتمثلة في غياب الدعم والتمويل وانعدام الإرادة السياسية من الأطراف، إلى جانب عدم اعتراف عدد من الجماعات بالعملية السلمية هناك، وعزا توت قلواك مستشار رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ورئيس آلية تنفيذ اتفاق السلام في تصريح سابق تأخير استكمال هياكل السلطة الانتقالية إلى عدم تقديم أطراف عملية السلام ترشيحاتها النهائية، ونوّه قلواك بأن الأطراف الموقعة على اتفاق السلام في الحكومة والمعارضة، اتفقت أيضاً على زيادة عدد أعضاء المجالس الولائية ليصبح 100 بدل 50 عضواً .

الترتيبات الأمنية
وفي مارس الماضي توافقت الأطراف الموقعة على اتفاق السلام بدولة جنوب السودان على تشكيل الحكومات الولائية بعد مضي عام كامل من عمر الفترة الانتقالية، حيث تم إعلان الحكام ونوابهم إلى جانب الوزراء على مستوى الولايات، وذلك وفقاً لمعادلة قسمة السلطة المنبثقة عن الاتفاق، وباكتمال تشكيل البرلمانات على مستوى الولايات، وتعيين أعضاء البرلمان القومي الانتقالي ومجلس الولايات، لم يتبق أمام الأطراف الموقعة على اتفاق السلام سوى مسألة تنفيذ بنود اتفاق الترتيبات الأمنية، خاصة الجانب المتعلق بتخريج القوات المشتركة وتشكيل هيئة الأركان العسكرية الموحدة.
وقف الحرب
ولم تتمكن الحكومة والمعارضة من استكمال بنود اتفاق السلام وعلى رأسها اتفاق الترتيبات الأمنية، وتم تأجيل تخريج القوات المشتركة لأكثر من مرة، بحجة انعدام التمويل اللازم لتدريب القوات خلال الفترة ما قبل الانتقالية، في وقت تشهد فيه العديد من أجزاء البلاد أعمال عنف ومواجهات بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة التي تعد طرفاً في الحكومة الانتقالية الجديدة في جنوب السودان من جهة والقوات الحكومية ومتمردي حركة جبهة الخلاص غير الموقعة على اتفاق السلام من جهة أخرى، يأتي ذلك وسط مطالبات دولية بضرورة وقف الحرب الدائرة الآن في إقليم الإستوائية، والضغط على الرئيس سلفاكير والجنرال توماس سريلو للجلوس على طاولة التفاوض في أقرب وقت ممكن، وذلك لتمهيد الطريق بما يساعد في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وآمنة بنهاية الفترة الانتقالية في نهاية العام القادم، الأمر الذي يستبعده كثيرون، نتيجة عدم اكتمال كل استحقاقات المرحلة الانتقالية، والتي يتبقى منها بجانب الترتيبات الأمنية إعداد الدستور الانتقالي.

توحيد القوات
وما زال شبح الحرب الأهلية في جنوب السودان ماثلاً، بسبب وجود نزاعات على رأس السلطة نفسها، وذلك لعدم تنفيذ بنود مهمة من إتفاق السلام، وتحت ضغط دولي وبعد أكثر من عام من المفاوضات والمماطلة بين سلفاكير ورياك مشار بالحكم معاً، للمرة الثالثة منذ استقلال البلاد في 2011، على أن يكون الأول رئيساً والثاني نائباً للرئيس، وحتى الآن لم يتم توحيد قوات كل من كير ومشار في جيش واحد مشترك وفق الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في الاتفاق، وسط تحذيرات دولية من أنه مع مواصلة الرجلين قيادة قواتهما يمكن أن تنزلق البلاد إلى الحرب بسرعة، كما تعاني المراكز التي كان يفترض أن تضمن تدريب القوات من نقص كبير في الأغذية والأدوية، بينما فر عدد كبير من الجنود الحكوميين والمتمردين، علاوة على اشتداد الحرب في جنوب خط الاستواء حيث تقاتل القوات الحكومية المتمردين الذين يرفضون عملية السلام، وتتصاعد الاشتباكات بين المجموعات السكانية في العديد من الولايات التي انتشرت فيها الفوضى؛ بانتظار أن يتفق في جوبا المعسكران المتناحران على تعيين حكام.

حركات غير موقعة
بجانب ذلك مازالت هناك حركات مسلحة لم توقع على السلام في جنوب السودان، ويبلغ عددها ثلاث حركات، وهم الحركة الشعبية الأصل بقيادة باقان أموم، والجبهة الشعبية المتحدة بقيادة ملونق أوان، وجبهة الخلاص الوطني بقيادة الجنرال توماس سريك أوساكا، وفي 2019 انطلقت في العاصمة الإيطالية روما مباحثات للسلام بين الحكومة ومجموعة من الفصائل الرافضة لاتفاق السلام في جنوب السودان بقيادة توماس سريلو رئيس حركة جبهة الخلاص وفول ملونق أوان رئيس الجبهة المتحدة، وباقان أموم أوكيج رئيس الحركة الشعبية، وجرت المباحثات بوساطة من جمعية سانت أيديغو التابعة للكنيسة الكاثوليكية، بهدف إلحاق تلك المجموعات بعملية السلام، وفي يناير الماضي اقترح مسؤول أفريقي نقل مباحثات روما بين الحكومة الانتقالية بجنوب السودان والفصائل الرافضة لاتفاق السلام لواحدة من الدول الأفريقية، واستؤنفت المفاوضات قبل شهرين بمدينة نيفاشا الكينية بعد تأجيل الجولة التفاوضية لعدة مرات قبلها، وذلك في محاولة لبث بعض التطمينات للشارع في جنوب السودان والمجتمع الدولي، خاصة بعد فشل الأطراف الموقعة على الوثيقة خلال الفترة الماضية في احترام وثيقة وقف العدائيات بينهما، بل إن القتال لا يزال مستمراً في مناطق عديدة بإقليم الاستوائية الواقع جنوبي البلاد.

بعض التحديات
ورغم تفاؤل الخبراء من التوقيع على اتفاق سلام بين الطرفين، وذلك في ظل الضغوط الأخيرة التي تمارسها جهات دولية مثل الاتحاد الأوروبي ومجموعة الأزمات الدولية، وفي ظل الاتصالات المكثفة بين الحكومة وفصيلي باقان أموم، وبول ملونق، والتفاهمات الكبيرة التي حدثت على الأرض بجلسات سرية أفضت في نهاية المطاف للتوقيع على مسودة روما لوقف إطلاق النار وتجميد العدائيات وخارطة طريق، إلا أن بعض الخبراء تحدثوا عن وجود بعض التحديات التي قد تواجه مباحثات نيفاشا، تتمثل في عقبة المشاركة في السلطة، لأن المباحثات جاءت في وقت فرغت فيه الأطراف بالداخل من تقسيم السلطة على مستوى الحكومة والبرلمان والولايات، لافتين إلى أن المباحثات لن تقود لتحقيق السلام الشامل بسبب غياب الجنرال توماس سريلو الذي يقود فصيل جبهة الخلاص الوطني، لأن هذه المجموعة تتمتع بثقل عسكري كبير عن الجلسات الجارية في كينيا، وأن غياب هذا الرجل يمكن أن يقود لفشل أي جهود للتسوية السلمية بسبب ضعف فصيلي باقان وملونق، وافتقادهما للقوة العسكرية التي يمكن أن تجبر النظام في جوبا على تقديم تنازلات سياسية.

نتائج المفاوضات
وقبل شهرين من إعلان استئناف المفاوضات بين الحكومة الانتقالية بجنوب السودان وهذه المجموعة من الحركات المسلحة في بدايات مارس الماضي بنيفاشا؛ بعد نقلها من روما، وبعد توقيع الطرفين على اتفاق لوقف إطلاق النار، لم يعلن بعدها عن سير هذه المباحثات ونتائجها وهل تم الاتفاق النهائي عليها أم واجهتها تحديات أوقفتها، وبعد حل سلفاكير للبرلمان ومجلس الولايات، هل عملت الحكومة حسابها لحصة في هذا التشكيل للمجموعات التي لا زالت خارجة عن السلام، أم أن ذلك سيشكل تحدياً كبيراً أمام التفاوض يمكن في حال تم الاتفاق عليه إعادة تقسيم التشكيل على كل المستويات من جديد؟

المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي