القاهرة : صباح موسى
استضافت العاصمة الفرنسية باريس أمس (الاثنين) مؤتمراً دولياً لدعم الانتقال السوداني، واليوم (الثلاثاء) تستضيف مؤتمراً آخر، وهو قمة تمويل الاقتصادات الأفريقية من خلال مؤتمر الشركاء الدوليين والمانحين في مواجهة مرحلة ما بعد فيروس كورونا، بمشاركة السيسي وحضور رؤساء دول وحكومات ومنظمات أفريقية بدعوة من الرئيس الفرنسي، في محاولة لجذب مزيد من الاستثمارات للقارة السمراء التي تعاني آثار الوباء العالمي وسط تراجع نموها لأول مرة منذ عقود.
دعم مصر
واستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، والدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء، في إطار فعليات المؤتمر الدولي لدعم الشعب السوداني، وذلك تعبيرًا عن التزام ماكرون بدعم الانتقال السوداني، وللمضي قدمًا في معالجة الديون السودانية، وضم المؤتمر أيضًا الجهات الفاعلة في الانتقال السوداني من المجتمع المدني، وعلى هامش فعاليات المؤتمر التقى البرهان السيسي مساء أمس الأول (الأحد)، وقال السفير بسام راضي؛ المتحدث الرسمى باسم الرئاسة المصرية: إن السيسي أشاد بالعلاقات الأخوية المتينة والأزلية بين مصر والسودان، وما بلغته من مستوى متقدم على مختلف الأصعدة خلال الفترة الأخيرة، معرباً عن تطلع مصر لتعميقها وتعزيزها بما يساهم فى تحقيق مصالح البلدين والشعبين، لا سيما على المستوى الأمني والعسكري والاقتصادي والتجاري، مؤكداً في هذا الإطار حرص مصر على المشاركة في المؤتمر الدولي لدعم المرحلة الانتقالية بالسودان، بما يساعد على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في السودان، وذلك انطلاقاً من دعم مصر الكامل للسودان في كل المجالات، وكذا الارتباط الوثيق للأمن القومي المصري والسوداني، والروابط التاريخية التي تجمع شعبي وادي النيل، كما أشار السيسي إلى أنه التزاماً من جانب مصر ببذل كل الجهود لمساندة الخطوات التي اتخذتها الحكومة السودانية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، والتخلص من ديونه المتراكمة، وتخفيف أعبائه التمويلية، فإن مصر ستشارك في المبادرة الدولية لتسوية مديونية السودان؛ من خلال استخدام حصة مصر لدى صندوق النقد الدولي لمواجهة الديون المشكوك بتحصيلها، مشيداً في هذا الإطار بالخطوات الشجاعة التي يقوم بها السودان في اتجاه الإصلاح الهيكلي للاقتصاد، بما يعكس إرادة سياسية حقيقية لإنجاح المرحلة الانتقالية، مؤكداً استعداد مصر لنقل التجربة المصرية في الإصلاح الاقتصادي وتدريب الكوادر السودانية.
مشاركة السيسي
من جانبه؛ أعرب البرهان عن التقدير العميق الذي يكنه السودان تجاه جهود مصر بقيادة السيسي لدعم السودان في المرحلة الانتقالية التي يمر بها، وهو ما تجسد في حرص السيسي على المشاركة الشخصية في مؤتمر باريس الحالي لدعم السودان، وهو ما يرسخ قوة الروابط الممتدة التى تجمع البلدين الشقيقين، مشيداً في هذا الصدد بالجهود المتبادلة للارتقاء بأواصر التعاون المشترك بين البلدين، والدعم المصري غير المحدود من خلال مختلف المحافل للحفاظ على سلامة واستقرار السودان، مؤكداً وجود آفاق رحبة لتطوير التعاون المشترك بين البلدين، وحرص السودان على توفير المناخ الداعم لذلك في مختلف المجالات التنموية الاستراتيجية، فضلاً عن تعويلها على الدور المصري الداعم للجهود السودانية الجارية لإسقاط وإعادة جدولة الديون الخارجية عليها، وكذا الاستفادة من نقل التجربة المصرية الملهمة في الإصـلاح الاقتصادي وتدريـب الكوادر السودانية والمساعدة على مواجهة التحديات في هذا الصدد، بما يعكس عمق العلاقات بين البلدين.
العلاقات الثنائية
كما شهد اللقاء استعراضاً لمجمل العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تم الإعراب عن الارتياح لمستوى التنسيق القائم بين الجانبين، لاسيما في ظل تبادل الزيارات السياسية المكثفة خلال الفترة الأخيرة، مع تأكيد أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجارى بما يرقى إلى مستوى الزخم القائم في العلاقات الثنائية، خاصة ما تم من تكثيف للتعاون العسكري المشترك، من خلال إقامة مناورات نسور النيل ۲ المشتركة بالقاعدة الجوية بمدينة مروي، وهو ما عكس القناعة السياسية المتبادلة لدى البلدين بأن أمنهما القومى لا يمكن أن ينفصل، وشهد اللقاء كذلك استعراض آخر مستجدات الأوضاع الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بما فيها تطورات الأوضاع على الحدود السودانية الإثيوبية، فضلاً عن التطورات المتعلقة بعدد من الأزمات التى تشهدها بعض دول المنطقة، حيث تم التوافق حول استمرار التشاور المكثف والتنسيق المتبادل في هذا السياق؛ خلال الفترة المقبلة لما فيه المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين، وتم تبادل الرؤى في ما يخص تطورات ملف سد النهضة، حيث تم تأكيد التوافق حول الأهمية القصوى لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصري والسوداني باعتبارها مسألة أمن قومي، ومن ثم تمسك البلدين بالتوصل إلى اتفاق قانوني عادل وملزم لعملية ملء وتشغيل السد، بما يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.
حصة مصر
بجانب أهمية مؤتمر باريس لدعم الانتقال في السودان، يأتي لقاء البرهان السيسي للتأكيد على متانة العلاقات المصرية السودانية، والرغبة الأكثر تأكيداً في تطويرها، بتنسيق الرؤى وتوطيد العلاقة بما يليق بالصلات العميقة والجوار المشترك بين البلدين، ومن ثم ليس مستغرباً توجيه الرئيس السيسي بأن يتم استخدام حصة مصر لدى صندوق النقد الدولي لتمويل احتياجات السودان على الاقتراض، ولتفسير معنى هذه الخطوة المهمة يقول البروفيسور محمد نجم؛ المحلل الاقتصادي إن السودان يمر بمنعطف تاريخي وموجة تغيير منذ 2019 دفعت به إلى إطلاق برنامج إصلاح اقتصادي كبير وجذري، مضيفاً؛ لكن هذا البرنامج لن ينجح طالما استمرت الديون مثقلة لكاهل الاقتصاد السوداني، وهذه الديون – بالعملة الصعبة – خرجت عن السيطرة، ولا يمكن التعامل معها ولا سدادها ولا جدولتها، ويرى الحل في أن تتنازل الدول الدائنة عن هذه الديون بإرادتها الحرة دعما لاستقرار وتنمية السودان، متسائلاً هل ينطبق على السودان شروط الإعفاء؟، وأجاب قائلاً : نعم هناك 37 دولة شديدة الفقر والعوز تنطبق عليها الشروط منها السودان و30 دولة إفريقية أخرى، وهذه الدول تم تصنيفها ومساعدتها بناء على مبادرة تسمى المبادرة المعزّزة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون أو (الهيبك)، لكن لماذا يحتاج السودان للاقتراض طالما أنه سوف ينال إعفاء من الديون؟، وتابع: لأنه كي يستطيع التمتع بالإعفاء يجب عليه أولاً أن يسدد جزءاً فورياً من هذه الأقساط لصالح الدائنين، لكن السودان لا يملك هذه الموارد، وقال: هنا يأتي دور مصر حيث ستقوم القاهرة بتقديم حصتها في صندوق النقد (الحصة تعادل حجم المدفوعات المصرية السنوية لصالح خزانة الصندوق؛ في ما يشبه الودائع؛ والتي على أساسها يتم الاقتراض) لتغطية الطلب السوداني، للاقتراض من الصندوق كي يسدد جزءاً من ديونه التي يسعى للتخلص منها، وزاد : أي أن مصر تضمن السودان تماماً مثل البنك، حين يطلب ضامناً قريباً من المقترض، ويملك أصولاً وودائع ترفع ثقة البنك في المقترض وفي قدرته على السداد.
سد النهضة
وعلى صعيد متصل؛ كان لأزمة سد النهضة وجوداً كبيراً على أجندة لقاء البرهان السيسي في باريس، وقال رئيس مجلس السيادة في هذا الصدد إن الخرطوم تريد حلاً توافقياً وتفاوضياً مبنياً على حفظ الحقوق بخصوص أزمة سد النهضة، وفي لقاء خاص مع قناة (فرانس 24) على هامش المؤتمر أشار البرهان إلى أن السودان ظل لسنين طويلة يمر بتجارب مريرة ليست بها التزامات من الأطراف الأخرى، مشدداً على ضرورة وجود اتفاق ملزم، مضيفاً هذا حق مشروع للسودان في أن يطالب بهذا الحق، مؤكداً أن السودان ومصر تربطهما علاقات أزلية وقديمة، مضيفاً؛ لكن في هذا الموضوع لدينا مصالح مشتركة متشابهة، والطرفان يسعيان إلى وجود اتفاق ملزم وقانوني، لأن هذا الحق ليس حقنا، بل حق الأجيال القادمة، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك اتفاقية تحفظ للأجيال حقهم في مستقبل استخداماتهم واحتياجاتهم للمياه.
تحذير واشنطن
وقبل أيام انتهت جولة المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان، بعد زيارته للدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا، وأصدرت الخارجية الأمريكية بيانًا تحذر فيه الدول المتنازعة من عدم الاتفاق وتأثير ذلك على استئناف المفاوضات، فدعت الولايات المتحدة الأميركية الدول الثلاث في بيان مطول، لاستئناف المفاوضات على وجه السرعة، وأفاد البيان بأن فيلتمان أكّد في مناقشاته مع القادة في أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، أنه يمكن التوفيق بين مخاوف مصر والسودان بشأن الأمن المائي وسلامة وتشغيل السد مع احتياجات التنمية في إثيوبيا من خلال مفاوضات جوهرية وهادفة بين الأطراف في إطار قيادة الاتحاد الإفريقي، التي يجب أن تستأنف على وجه السرعة، وحددت الخارجية الأميركية (إعلان المبادئ الموقع عام 2015) وبيان يوليو 2020 الصادر عن مكتب الاتحاد الإفريقي، كأساس مهم لهذه المفاوضات، مع التزام الولايات المتحدة بتقديم الدعم السياسي والفني لتسهيل التوصل إلى نتيجة ناجحة.
تمتلك بدائل
وفي القاهرة كشف مصدر مسؤول في وزارة الري المصرية أن فليتمان استمع لوجه نظر الجانب المصري حول نقاط الاختلاف في أزمة سد النهضة، وأضاف المصدر في تصريح صحفي: أنه تفهم المخاطر الناتجة من استمرار أعمال السد بشكل آحادي، مؤكدًا أن هناك توافقاً بين القاهرة والخرطوم في ما يتعلق بضرورة تحقيق الوساطة الدولية الرباعية لإنجاح المفاوضات، وقال المصدر إن الولايات المتحدة الأمريكية اطلعت بشكل كبير على طلبات مصر والسودان وإثيوبيا، مشيرًا إلى أن أمريكا لا ترغب في فرض قرار على أي من الدول الثلاث، كما أنها تريد حل الخلاف بدون الانحياز إلى طرف دون آخر، مضيفاً أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في الضغط على الجانب الإثيوبي، حتى لا تتفاقم الأوضاع المتوترة هناك، حيث ترى أن أي ضغط على حكومة آبي أحمد يعني توترات أكبر في منطقة القرن الأفريقي، ولفت إلى أن الخطوط التي وضعتها مصر حول عدم التفريط في حقوقها المائية واضحة لا تقبل التشكك، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك بدائل وخيارات أخرى ليست بالضرورة أن تكون عسكرية، مضيفًا: مصر قالت كلمتها: إن الأمن المائي خط أحمر لا يمكن التهاون فيه.
تبدو جادة
في الوقت نفسه يرى خبراء مصريون أن التدخل الأميريكي في سد النهضة مجرد محاولة تبدو جادة لتجنب مواجهة عسكرية باتت الإدارة الأميركية أكثر اقتناعاً بأنها قادمة لا محالة، وأنها ستقلب الأوضاع والتوازنات رأساً على عقب ولسنوات طويلة في منطقة القرن الإفريقي وكذا الشرق الأوسط وبما يهدد المصالح الأميركية فيهما، لافتين إلى أن البيان الأميريكي جاء مقتضباًَِ بشأن سد النهضة، والذي حل ثالثاً في البيان بعد أزمتي التيجراي والحدود بين السودان وأثيوبيا، وأنه فقط أكد على ضرورة عودة المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، دون تفسير هل سيكون التفاوض كما هو عليه، بجانب عدم ذكره لطلب الوساطة الرباعية، منبهين إلى أن تبني أميريكا للمطالب الأثيوبية وخصوصاً في الاتفاق حول الملء الثاني أولا قد يعقد الأزمة أكثر، وأنه يثير الاستغراب من التدخل الأميريكي وعدم الاطمئنان إليه، و
تمسك اثيوبيا.
في المقابل أكد المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي تمسك بلاده باتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة فقط حالياً وتأجيل مفاوضات حصص مياه النيل، وأعرب عن تطلع بلاده لنجاح الحراك الأفريقي بشأن مفاوضات سد النهضة، الذي يقوده الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، وقال مفتي في لقاء مع (العين الإماراتية) أمس (الاثنين) إن إثيوبيا تأمل في أن تثمر اللقاءات التي أجراها تشيسكيدي مع قادة البلدان الثلاث بشأن القضايا العالقة حول السد، بحيث يتمكن البلدان الثلاثة من استئناف المفاوضات واختتامها بحلول مربحة للجميع، مضيفاً موقفنا الحالي هو الدعوة لاتفاق بشأن الملء والتشغيل فقط وتأجيل أي اتفاق شامل حول الحصص لمياه النيل لوقت آخر بمشاركة دول حوض النيل، وأشار إلى أن المبادرة الإثيوبية هذه مقبولة، ويمكن أن توصل الأطراف الثلاثة إلى إيجاد حلول مربحة بشأن السد، مؤكداً أن المفاوضات الماضية كانت قد حسمت العديد من نقاط الخلاف الفنية والقانونية، وزاد: هدفنا الآن هو إنهاء هذه المفاوضات الماراثونية برعاية الاتحاد الأفريقي يكون فيها الكل رابحاً، وتنتقل الدول الثلاث إلى تعاون إقليمي لتنمية شعوب المنطقة، وقال: نعتقد أن زيارة فيلتمان كانت مثمرة وأوضحت موقف أديس أبابا حول مفاوضات السد التي يمكن أن يكون السودان ومصر رابحين فيه، ومع أمله في انتهاء المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي لحل مربح لجميع الأطراف، أكد على الأخذ في الاعتبار تمسك إثيوبيا بحقها في عدم التوقيع على أي اتفاق يحرم الأجيال القادمة من حقوقها في التنمية.
المصدر من هنا