أثارت دعوة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” لإنشاء مناطق آمنة خالية من السلاح لحماية المدنيين جدلاً في السودان، حيث يرى المحللون أن هذا الاقتراح غير قابل للتنفيذ وأن أساسه سياسي أكثر من كونه إنساني. بينما يعتبر معارضو التحالف أن هذه الدعوة تهدف إلى تعزيز موقف قوات الدعم السريع في الحرب التي تستمر منذ أكثر من 18 شهراً. كشف خالد عمر يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر وعضو أمانة “تقدم”، أن المطالب التي قدمها رئيس التنسيقية عبد الله حمدوك لمسؤولين في الحكومة ومجلس اللوردات البريطاني كانت تركز على تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين وحماية المدنيين في بلاده. أشار يوسف، في حديثٍ نقله قناة الجزيرة مباشر، إلى لقائه مع المسؤولين في لندن خلال زيارته مع حمدوك، حيث تعتبر لندن الدولة التي تترأس السودان في مجلس الأمن الدولي وتترأس الدورة الحالية للمجلس، ووجهت دعوة لعقد اجتماع في 12 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري لمناقشة أوضاع السودان.
وذكر أنه من الضروري إنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين، على أن تكون هذه المناطق خالية من السلاح وتحظر الطائرات فوقها، كما يجب أن تبتعد عن أي مظاهر عسكرية. وطالبوا أيضًا بحظر الأسلحة والطيران في السودان، بالإضافة إلى منع تصدير السلع السودانية، وبالأخص الذهب، لكي لا تُستخدم عائداته في تمويل شراء السلاح لقتل السودانيين. في هذا السياق، ذكر المتحدث باسم تنسيقية “تقدم” بكري الجاك أن أفضل حل لحماية المدنيين يتطلب الوصول إلى تفاهم يفضي إلى وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء الأعمال العدائية، ويجب بعد ذلك تطوير هذا الاتفاق ليصبح وقفاً شاملاً لإطلاق النار.
بالنسبة لمقترح حماية المدنيين، اقترح الجاك إقامة ثلاث مناطق آمنة على الحدود داخل الأراضي السودانية، الأولى على الحدود مع جنوب السودان، والثانية بالقرب من حدود تشاد، والثالثة عند حدود مصر. ويعتقد أن التشاور مع الدول المعنية ومجلس السلم والأمن الأفريقي سيكون مهماً لإنشاء هذه المناطق. أشار الجاك إلى أن إنشاء هذه المناطق الآمنة لا يستلزم بالضرورة وقف إطلاق النار، بل يحتاج إلى اعتراف من الأطراف المتنازعة والأطراف الأخرى ذات الصلة، كما يمكن نشر قوات من الدول المجاورة لضمان تأمين الحدود المحيطة بتلك المناطق.
بدوره، صرح المبعوث الأمريكي إلى السودان، توم بيريلو، بأنه لا توجد خطة لنشر قوات أممية في السودان في الوقت الراهن. ومع ذلك، هناك جهود لإقامة مناطق خالية من السلاح لحماية المدنيين، وقد تم طرح هذه المبادرة في وقت مبكر من النزاع، وكانت تلك الجهود محلية بقيادة سودانية. أشار في تصريح له خلال زيارته كينيا قبل يومين إلى أنه “لاحظنا في كثير من الأحيان خلال السنة الأولى من الحرب، عندما كانت العديد من شبكات التواصل لا تزال فعالة، تحقيق نجاح أكبر في تنظيم أيام السوق في ظل توقف إطلاق النار، أو في مناطق معينة من المدينة حيث لا يمكن القتال”.
حذر المفكر السياسي والكاتب السوداني الواثق كمير من الاعتماد على المجتمع الدولي لحل الأزمات في السودان، معتبراً أن هذا الأسلوب هو “رهان خاسر”.
وأشار في تدوينة له على منصة إكس إلى أن “جهود الرباعية المعنية بالسودان، التي شملت الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، بالإضافة إلى دول الترويكا (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج)، فشلت قبل اندلاع الحرب”. يعتقد الكاتب أن المجتمع الدولي “يقدم الآن حلولًا غير قابلة للتطبيق”، والتي تشمل فرض عقوبات، واقتراحات للتدخلات العسكرية، وإنشاء مناطق حظر طيران ومناطق آمنة. ورغم أن هذه التدابير لم تحقق النجاح في السابق، فإنها تثير التساؤلات حول فعاليتها في مواجهة الأوضاع المتدهورة في السودان. في سياق آخر، يعتبر أمجد فريد، مدير مركز فكرة للدراسات والمستشار السابق في مكتب رئيس الوزراء السابق (حمدوك)، أن تحالف “تقدم” يستحق الإشادة لأنه بعد 18 شهرًا من إنكار الانتهاكات وتبريرها “أصبح أخيرًا مهتمًا بقضية حماية المدنيين”.
ومع ذلك، يعبر عن أسفه في منشور له على فيسبوك، حيث يقول إن “التحالف بدلاً من اعتماد هذا الخطاب كموقف إنساني محايد، يصر على استخدام القضية الإنسانية لخدمة الطرف العسكري الذي يتعاون معه”. يُعبّر فريد عن انتقاده لربط “تقدم” حماية المدنيين بمطلب سياسي وعسكري واضح، وهو فرض حظر الطيران، مما يُعقّد الوضع ويدخل المطالبة بحماية المدنيين وآليات تنفيذ ذلك في إطار الصراع السياسي. ويعتبر أن حظر الطيران -بعد كل ما حصل- يصبح جزءًا مباشرًا من التدخل في تغيير موازين القوى العسكرية بين طرفي النزاع، مُشيرًا إلى أنه يُعزّز أجندات الجهات الخارجية التي تدعم الدعم السريع، وفقًا لما صرّح به المتحدث. وبخصوص فائدة إنشاء مناطق آمنة، أشار أحمد المفتي، الخبير القانوني ومدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، إلى أن “هذه المناطق تحتاج إلى حماية من قبل قوات أممية، وهذا يستدعي موافقة الحكومة السودانية كشرط أساسي”.
وفقًا لما ذكره المفتي لوكالة الجزيرة نت، فإن القوات الأممية التي بلغ عددها 30 ألف جندي، والتي تم نشرها في إقليم دارفور في وقت سابق بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح استخدام القوة، لم تحقق أي نتائج إيجابية، بل كانت تطلب الحماية من الجيش السوداني. ويعتقد أن الدعوة إلى قوات أممية لحماية المدنيين “ليست اقتراحًا عمليًا، وأن الحل يكمن في اتفاق سلام ينهي الحرب”.
يعتقد المحلل والباحث السياسي فيصل عبد الكريم أن اقتراح تحالف “تقدم” لا يزال غير واضح، ويتنوع بين مناطق خالية من السلاح أو إنشاء مخيمات للنازحين، مع وجود مطالب بفرض حظر عسكري واقتصادي. في حديثه مع الجزيرة نت، ذكر عبد الكريم أن هذه الاقتراحات تعني عمومًا فرض عقوبات على الحكومة والجيش، في حين لا تتضمن أي عقوبات على الدعم السريع، الذي يُتهم بارتكاب معظم الانتهاكات ضد المدنيين، كما هو الحال في ولاية الجزيرة حالياً. المصدر : الجزيرة