أفادت مصادر مطلعة داخل الحركات المسلحة في شرق السودان لراديو دبنقا أن زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان تناولت بشكل أساسي قضية الحركات المسلحة المتواجدة في إريتريا، حيث أبدت بعض هذه الحركات عدم رغبتها في العودة إلى السودان للمشاركة في النزاع القائم. في المقابل، تسعى الحكومة السودانية إلى إعادة هذه الحركات إلى البلاد لدعم القوات المسلحة في مواجهتها الحالية.
من جانبه، أوضح الكاتب الصحفي والمحلل السياسي خالد محمد طه في حديثه مع برنامج “من جهة أخرى” الذي سيبث يوم الأحد المقبل عبر راديو دبنقا، أن الاجتماع الذي جمع البرهان مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي يوم الثلاثاء الماضي، أسفر عن توقيع اتفاق يهدف إلى تنسيق الجهود بين القوات البحرية للبلدين. كما تم الاتفاق على إعادة نشر القوات المشتركة على طول السواحل، بالإضافة إلى إنشاء قوات برية مشتركة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدولتين.
كما تناول الاجتماع أهمية فتح المجال أمام الدول الصديقة للمساهمة في تطوير وتعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية للبلدين، مما يعكس رغبة الجانبين في تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي في المنطقة. هذه الخطوات تأتي في إطار جهود الحكومة السودانية لتعزيز استقرار البلاد ومواجهة التحديات الأمنية الراهنة.
اختتم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان زيارته إلى العاصمة الإريترية أسمرا يوم الثلاثاء، حيث رافقه مدير جهاز المخابرات ووزير الإعلام. تأتي هذه الزيارة في إطار تعزيز العلاقات بين السودان وإريتريا، وتبادل الآراء حول الأوضاع الراهنة في المنطقة.
خلال الزيارة، عقد البرهان جلسة محادثات موسعة مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، الذي أكد على موقف بلاده الثابت تجاه النزاع في السودان. وأشار أفورقي إلى أن الحلول يجب أن تأتي من جهود السودانيين أنفسهم، مع دعم من الدول المجاورة. من جهته، أعرب البرهان عن التزام الحكومة السودانية بالبحث عن حلول للأزمة الحالية والعمل على إنهاء النزاع وتحقيق السلام.
تعتبر هذه الزيارة الثالثة للبرهان إلى إريتريا منذ بداية النزاع في أبريل 2023. ورغم الترحيب الكبير الذي حظي به البرهان ووفده، إلا أن وجود مدير المخابرات في الوفد يشير إلى مناقشة قضايا أمنية هامة. وقد وصف وزير الإعلام خالد الأعيسر اللقاء بين البرهان وأفورقي بأنه تاريخي وله تأثيرات مستقبلية.
تنسيق أمني عسكري
اعتبر الصحفي والمحلل السياسي عثمان ميرغني في حديثه مع راديو دبنقا أن زيارة البرهان إلى أسمرا تأتي في سياق تعزيز العلاقات مع إريتريا، التي تُعتبر حليفاً أساسياً للقوات المسلحة السودانية في ظل الأوضاع الحالية. كما أشار إلى أن إريتريا تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السودانيين، مما يعكس الروابط الإنسانية بين البلدين.
وتوقع ميرغني أن تسهم هذه الزيارة في تحقيق تفاهمات عسكرية وسياسية، مستنداً إلى التنسيق الأمني والعسكري الذي تم بين البلدين في السابق. وأوضح أن الأمن القومي لكل من السودان وإريتريا مرتبط بشكل وثيق، مما يجعل التعاون بينهما أمراً ضرورياً في ظل التحديات الإقليمية.
في هذا السياق، تسعى الحكومة السودانية إلى إلغاء قرار تجميد أنشطتها في الاتحاد الأفريقي، والذي تم اتخاذه بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021. ومع ذلك، لا يزال الاتحاد الأفريقي متمسكاً بموقفه بشأن هذا التجميد، مما يضيف تعقيداً إضافياً للعلاقات بين السودان والاتحاد.
ملف شائك
يرى خالد محمد طه أن إريتريا تركز جهودها على تعزيز الأمن في منطقة البحر الأحمر، حيث تعتبر السودان بمثابة جسر استراتيجي للوصول إلى هذه المنطقة الحيوية. وأشار إلى أن هناك مساعي للتعاون السياسي والدبلوماسي، خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي. كما يسعى لتعزيز الموقف الإريتري في القضايا الإقليمية، بما في ذلك النزاعات المستمرة في الصومال وإثيوبيا وحوض البحر الأحمر.
فيما يتعلق بحركات شرق السودان، أوضح عثمان ميرغني في حديثه لراديو دبنقا أن قرار دمج قوات الأورطة الشرقية في الجيش السوداني قد ساهم في إزالة المخاوف المتعلقة بوجود قوات ذات طابع جهوي في شرق السودان. وأكد أن هذه القوات قد تم تدريبها تحت إشراف الحكومتين، مشيراً إلى وجود “تفاصيل” تم الاتفاق عليها بين الأطراف المعنية.
تستضيف إريتريا مجموعة من معسكرات الحركات المسلحة الخاصة بشرق السودان، بما في ذلك قوات تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم عبد الله دنيا والحركة الوطنية لشرق السودان بقيادة محمد طاهر سليمان علي بيتاي. وتبدي الحركتان تحفظاً على الانخراط في النزاع القائم، حيث تفضلان الاحتفاظ بقواتهما للدفاع عن مناطقهم.
وأعلنت قوات الأورطة الشرقية التابعة للجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، بقيادة الأمين داوود، بالإضافة إلى قوات مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد، عن خروجها من حالة الحياد وانضمامها إلى صفوف القوات المسلحة. كما أكدت هذه القوات على نشر عناصرها في شرق السودان بالتنسيق مع القوات المسلحة، مما يعكس تحولًا في الموقف العسكري والسياسي في المنطقة.
في سياق متصل، يرى خالد محمد طه أن الحركات المسلحة التي تتلقى التدريب في إريتريا هي حركات جديدة نشأت بعد أحداث 15 أبريل، حيث تم إعادة بعض هذه الحركات إلى الساحة السياسية بعد غياب دام حوالي عقدين. ويشير طه إلى أن هذه التنظيمات تعتمد على أسس إثنية ومناطقية، مما يعكس تعقيد الوضع في شرق السودان.
من جهته، يوضح الكاتب أبو فاطمة أونور أن زيارة البرهان تأتي في إطار تأمين الجبهة الشرقية، خاصة في ظل وجود عدد من الحركات المسلحة في المنطقة، والتي ترتبط بالمظالم السياسية والاجتماعية التي يعاني منها سكان الشرق. هذه الديناميكيات تشير إلى تحديات كبيرة تواجه الحكومة في تحقيق الاستقرار في هذه المناطق.
أشار أبو فاطمة أونور إلى وجود تفاهمات واتصالات جارية بين الحكومة وحركات شرق السودان، وذلك تحت رعاية إريتريا. وأوضح أن هذه الاتصالات كانت الدافع وراء الزيارة الأخيرة التي قام بها البرهان.
وفقاً لمراقبين، يعتبر ملف مشاركة الحركات المسلحة في السلطة والوظائف الإدارية في شرق السودان من القضايا الرئيسية المطروحة على طاولة العلاقات بين السودان وإريتريا. هذه القضية تمثل نقطة محورية في الحوار بين الجانبين.
أكد أبو فاطمة على ضرورة التقارب بين الحكومة وحركات شرق السودان، مشيراً إلى توفر العديد من الأسس التي تعزز الانسجام بين الطرفين. ومع ذلك، شدد على أن الوضع الراهن لا يحتمل أي مناورات، داعياً الحكومة إلى الإسراع في اتخاذ خطوات جادة نحو الحوار مع الحركات.
حزام أمني
أفادت تقارير من موقع تسفا نيوز الإخباري، الذي يُعتبر مقربًا من الحكومة الإريترية، أن إريتريا تسعى للحفاظ على منطقة شرق السودان بعيدة عن نفوذ مقاتلي قوات الدعم السريع، وذلك لتفادي انتقال العنف إلى أراضيها. هذه الخطوة تأتي في إطار حرص إريتريا على حماية حدودها ومنع أي تأثيرات سلبية قد تنجم عن الصراعات في الجوار.
وأوضح الموقع أن إريتريا تتبنى سياسة “عدم التدخل” في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، شرط أن لا تشكل التطورات في تلك الدول تهديدًا مباشرًا أو غير مباشر لأمنها القومي ومصالحها. هذه السياسة تعكس رغبة إريتريا في الحفاظ على استقرارها الداخلي وتفادي أي تداعيات سلبية قد تنجم عن الأزمات الإقليمية.
في هذا السياق، أشار الكاتب الصحفي خالد محمد طه في حديثه لراديو دبنقا إلى أن المصالح الإريترية في السودان تتعلق بعدة جوانب، منها الأمنية والاقتصادية والسياسية، مع التركيز على أهمية الأمن الحدودي ومنع تسرب الأسلحة والمسلحين المعارضين. وأكد أن استقرار شرق السودان يعد أمرًا حيويًا لإريتريا لضمان عدم وجود تهديدات أمنية من الجماعات المعارضة للحكومة الإريترية.
يؤكد خالد محمد طه أن تدريب قوات الحركات المسلحة يأتي ضمن خطة إريتريا لإنشاء حزام أمني يمتد من نقاط بعيدة عن حدودها مع الدول المجاورة. يهدف هذا الحزام إلى توفير حماية مسبقة ضد التحديات الأمنية والنزاعات المحتملة في المنطقة، بما في ذلك دول البحر الأحمر وشرق أفريقيا.
ويعتبر طه أن تدريب هذه القوات خارج السودان يعد خطأً كبيراً، مشيراً إلى أن المسؤولية تقع على عاتق القيادة العسكرية السودانية وقيادات التنظيمات السودانية. ويضيف أن توجيه اللوم لإريتريا في هذا السياق غير منطقي، حيث أن هناك جهات سودانية قد وافقت وساهمت في هذا الأمر.
وفقاً لمصادر متطابقة، فقد وافقت الاستخبارات العسكرية السودانية على فتح معسكرات تدريب في إريتريا في بداية العام الحالي، رغم محاولاتها إقناع الحركات المسلحة بالعودة للتدريب في السودان. ومع ذلك، لم تعبر هذه الحركات عن مخاوفها للحكومة الإريترية، خشية من إثارة غضبها، خاصة وأن إريتريا تُعتبر من أبرز الدول الداعمة للقوات المسلحة السودانية في ظل النزاع الحالي.
في خطوة تعكس التوترات الإقليمية، قام وفد من الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، برئاسة الأمين داوود، بزيارة العاصمة الإريترية أسمرا في نوفمبر الحالي. خلال الزيارة، التقى الوفد بالرئيس الإريتري أسياس أفورقي، حيث ناقش الجانبان الأوضاع في شرق السودان. وأكدت الجبهة في بيان لها أن الرئيس أفورقي أبدى اهتمامه بموقف الحركات في شرق السودان واستعدادها للمشاركة في حماية البلاد والمنطقة من التهديدات الخارجية.
من جهته، اعتبر عثمان ميرغني أن الزيارات المتكررة للوفود السودانية، سواء كانت أهلية أو سياسية، إلى أسمرا أصبحت أمراً معتاداً، وذلك في ضوء العلاقات التاريخية بين السودان وإريتريا. هذه الزيارات تعكس الروابط القوية التي تجمع بين البلدين، والتي تتجاوز القضايا السياسية إلى مجالات أخرى متعددة.
تأتي هذه الزيارة في وقت حساس، حيث يسعى السودان إلى تعزيز موقفه في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. ويبدو أن الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة تأمل في الحصول على دعم إريتري لمواجهة التحديات التي تواجهها في شرق السودان، مما يعكس أهمية التعاون الإقليمي في تحقيق الاستقرار.
تلويح بالتدخل
في زيارة قام بها عدد من رؤساء تحرير الصحف السودانية إلى العاصمة الإريترية أسمرا في أكتوبر الماضي، أكد الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لهم أن بلاده لن تتخذ موقف الحياد في النزاع القائم. وأوضح أن إريتريا ستتدخل عسكرياً إذا ما امتدت الحرب إلى مناطق كسلا والقضارف والبحر الأحمر والنيل الأزرق، مما يعكس استعداد بلاده للانخراط في الصراع الإقليمي.
كما حذر أفورقي من أن هناك دولاً مجاورة تعمل على تهريب الأسلحة والطائرات المسيرة إلى قوات الدعم السريع عبر أراضيها. وأكد أن الجيش الإريتري مستعد للتصدي لهذه الأنشطة، خاصة على الجبهة الشرقية، مما يشير إلى تصاعد التوترات في المنطقة واحتمالية تصعيد النزاع.
من جانبه، اعتبر خالد محمد طه أن تصريحات أفورقي بشأن التدخل العسكري المباشر تعكس فكرة الحزام الأمني، مشيراً إلى أن هذه التصريحات توضح مدى عمق هذا الحزام داخل الأراضي السودانية وعلاقته بالجوار الإثيوبي. ويبدو أن الوضع في شرق السودان يظل محور اهتمام إريتريا، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
مصالح اقتصادية
تُعد المعابر الحدودية بين السودان وإريتريا ذات أهمية كبيرة في التبادل التجاري والاقتصادي بين الدولتين. ويشير خالد محمد طه إلى أن إريتريا تعتمد بشكل كبير وفعال على السودان. خلال شهر نوفمبر الحالي، أعلنت الحكومة السودانية أن العمل في معبر “اللفة” الرئيسي الذي يربط السودان بإريتريا قد اكتمل بنسبة 80%. أفاد مدير إدارة القطاع الشرقي في شرطة الجمارك، العميد حافظ التجاني، بأنه تم إنشاء لجنة تضم ممثلين من وزارة المالية الاتحادية والجمارك والشرطة، وذلك لإتمام أعمال صيانة المعبر وافتتاحه رسميًا للتجارة الحدودية مع دولة إريتريا. كما أشار إلى تلقي عدد كبير من الطلبات من الموردين والمصدرين الراغبين في التجارة مع إريتريا.
أفاد بأن دائرة جمارك كسلا تعمل بتناغم كامل مع باقي مكونات حكومة الولاية، ولها مهام رقابية في المعابر مثل (كراييت، عواض، اللفة وحمداييت).
يقول خالد طه من راديو دبنقا إن معبر اللفة مغلق رسميًا، رغم أن السلطات السودانية قد أعلنت أكثر من مرة عن فتحه من جانب واحد. وقد تم استخدام هذا المعبر من قبل مسؤولين بارزين مثل مني أركو مناوي، مما يشير إلى انتهاء أسباب إغلاقه. وفي السنة الأخيرة من حكم الجنرال عمر البشير، وأخيرًا بعد حرب 15 أبريل، أعلنت إريتريا فتح جميع حدودها وأراضيها وأجوائها لاستقبال السودانيين.
ويقول: “فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، على الرغم من وجود نقاط لسلطات الجمارك على جانبي الحدود، فإن هذه السلطات لم تعمل لعقود طويلة إلا في مجال مكافحة تهريب السلع. ولم تقم إريتريا مطلقًا بتطبيق أي من الاتفاقيات الثنائية مع السلطات السودانية في مجالات التعاون التجاري. وأضاف: “كان لإريتريا دائمًا أساليبها الخاصة التي لا ترضي السلطات السودانية دائمًا، ولم يقتصر ذلك التجاهل على المعاملات التجارية فقط، بل شمل أيضًا القضايا الأمنية والعسكرية المتعلقة بتأمين الحدود، حيث لم يكن هناك أي تنسيق مشترك.”
يلخص خالد محمد طه العلاقات بين إريتريا والسودان بقوله: “تدير اسمرا شؤونها المتعلقة بشرق السودان بطريقتها الخاصة، وكانت الخرطوم تتقبل ذلك بشكل كبير، والآن تقوم بورتسودان بنفس الدور”.