تشهد مدينة الفاشر في السودان تصاعدًا ملحوظًا في حدة المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث تتواصل الاشتباكات بشكل يومي وسط دعوات متزايدة لفك الحصار المفروض على المدينة. في الوقت الذي يقوم فيه كل من الجيش وقوات الدعم السريع بتعزيز قواتهما، تتجه تعزيزات عسكرية نحو دارفور، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني. تتباين الآراء حول أداء الجيش، حيث يتلقى الدعم من بعض الأوساط بينما يتعرض لانتقادات حادة من أخرى، مع اتهامات للقوات المشتركة بالمحاباة في التعامل مع الأوضاع.
انتشر وسم “فك الحصار عن الفاشر” بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يعبر المواطنون عن مناشداتهم لقيادة الجيش السوداني من أجل إنقاذ المدينة التي شهدت حتى الآن 180 معركة ضد قوات الدعم السريع. هذه المناشدات تعكس القلق المتزايد بين السكان المحليين الذين يعانون من تداعيات النزاع المستمر، والذي أسفر عن سقوط المئات من الضحايا من المدنيين والعسكريين. يتساءل الكثيرون عن مدى قدرة الفاشر على الصمود في وجه هذه التحديات، خاصة في ظل غياب تدخل حاسم من الجيش.
في ظل هذه الظروف الصعبة، يبقى مصير الفاشر معلقًا بين استمرار القتال أو إمكانية التوصل إلى حلول سياسية غير مضمونة. يتطلع السكان إلى تدخل فعال من الجيش لتحويل المعركة من وضع الدفاع إلى الهجوم، في حين تواصل قوات الدعم السريع حشد قواتها بهدف السيطرة على المدينة التي لم تتمكن من إخضاعها على مدار عام كامل. إن الوضع الراهن يتطلب استجابة سريعة وفعالة من جميع الأطراف المعنية لضمان سلامة المدنيين وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
أفادت مصادر موثوقة أن قوات الدعم السريع أصدرت تعليمات واضحة لأفرادها المنتشرين في ولايات دارفور، بالإضافة إلى ليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد، بالتوجه نحو مدينة الفاشر. تأتي هذه الخطوة في إطار أكبر عملية تعبئة عسكرية تهدف إلى دخول المدينة، مما يشير إلى تصعيد محتمل في الأوضاع الأمنية في المنطقة. هذه التعليمات تعكس استراتيجية الدعم السريع في تعزيز وجودها العسكري في الفاشر، التي تعتبر نقطة استراتيجية في دارفور.
من جهة أخرى، أكد مصدر مطلع لموقع “التغيير” أن القوات المشتركة ستبدأ زحفها قريباً من الخرطوم والجزيرة نحو الفاشر بهدف فك الحصار المفروض على المدينة. هذا التحرك العسكري يأتي في إطار خطة شاملة للتقدم نحو بقية ولايات دارفور، مما يعكس تنسيقاً عالياً بين القوات المختلفة. ويشير المصدر إلى أن القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد منح الإذن للقوات المشتركة للتحرك غرباً، حيث بدأت بالفعل عملية انسحاب من وسط البلاد نحو الفاشر.
في سياق متصل، انطلقت أولى التحركات العسكرية يوم الأربعاء في نهاية يناير من ولاية نهر النيل باتجاه فاشر السلطان. وقد أكد رئيس حزب التحرير والعدالة، بحر إدريس أبو قردة، أن الدعم السريع يعتمد على “الخطة ب” التي تستهدف السيطرة على الفاشر، مشدداً على ضرورة تحريك ثلاث وحدات عسكرية على الفور لمنع سقوط المدينة. هذه التصريحات تعكس القلق المتزايد من تطورات الأوضاع في المنطقة، وتبرز أهمية الفاشر كمعقل استراتيجي في الصراع القائم.
قال أبو قردة: “من الضروري أن تتحرك القيادة العامة اليوم قبل الغد، بتشكيل غرفة عمليات خاصة في الفاشر يقودها البرهان بنفسه خلال الساعات القليلة القادمة، وذلك من أجل إحباط المخطط الكبير الذي يستهدف المدينة”.
وأضاف: “تلقينا معلومات حساسة حول التحركات والمخططات التي تُدبر ضد الفاشر، ولا نرغب في أن تذهب الانتصارات التي حققناها سدى، خاصة بعد أن أصبح النصر الكامل على الأبواب”.
أكد القيادي في حركة العدل والمساواة، الشفيع محمد أحمد، في تصريح لـ”التغيير”، ثقته في الجيش السوداني ودعمه التام للقوات المشتركة والفرقة السادسة في الفاشر.
قال: “إن الترويج لفكرة انسحاب الجيش من القوات المشتركة بهدف إضعافها ليس إلا دعاية من أنصار الدعم السريع، الذين لم ينجحوا في اختراق دفاعات المدينة وتعرضوا لخسائر فادحة أمام القوات المشتركة والمستنفرة والجيش.”
تابع الشفيع: “لقد قرّرنا التخلي عن موقف الحياد بإرادتنا بعد الانتهاكات المتكررة التي قامت بها المليشيات ضد المدنيين. كنا ندرك أن المعركة ستكون صعبة، لكن الوقوف مع الحق هو مسألة أخلاقية ودينية. سيطرة الدعم السريع على الفاشر تشير إلى تشكيل حكومة قمعية وعنصرية، ونحن لن نسمح بذلك.”
اتهم الكاتب والمحلل السياسي جمعة عيسى القوات المشتركة بأنها “تلقّت الثمن” من الجيش للقتال ضد الدعم السريع، مشدداً على أن موقفها الحيادي السابق كان مجرد انتظار لمعرفة من سيقدم لها المزيد من المال، بحسب قوله.
قال عيسى: “رفض الدعم السريع دفع الأموال للمشتركة، حيث تعتبر المعركة بالنسبة له معركة لاستعادة الديمقراطية والتخلص من الكيزان. وقد اختارت المشتركة التحالف مع الجيش بعد أن حصلت على المقابل. ولكن من المحتمل أن يتخلى الجيش عنها قريباً، وعندها لن يكون لها أي وجود عسكري على الأرض بسبب وكأن المعارك التي ستلتهمها.”
وأضاف: “هؤلاء لا يعدون سوى طلاب للسلطة، وليس لديهم أي مبادئ. لقد قاتلوا الإسلاميين سابقاً تحت شعار الحرية والعدالة، ولكنهم الآن يتعاونون معهم من أجل الحصول على المناصب. حتى إذا انتصر الجيش، فلن يحصلوا على شيء سوى الفتات”، كما قال.
العميد (م) محمد يوسف استهزأ بالحديث عن عدم توفر إمدادات من الجيش للقوات المشتركة وتركها تواجه الدعم السريع وحدها.
وقال: “إن معظم الجنود والضباط الذين انسحبوا من مناطق نيالا والضعين وزالنجي والجنينة قد انضموا إلى الفرقة السادسة في الفاشر، وشاركوا معها في أكثر من 180 معركة. وقد استشهد البعض منهم، وأصيب آخرون، لكنهم لا يزالون متشبثين بمواقفهم”.
وأضاف: “لم تتوقف الإمدادات العسكرية، هناك عمليات إسقاط جوي وغارات بالطائرات، كما أن القيادة العسكرية ستقوم بتنفيذ عمليات التطهير في الفاشر، مثلما جرى في العاصمة الخرطوم. العملية قد بدأت بالفعل من أم روابة، وسيتم رفع الحصار قريباً.”
وفيما يتعلق بمستقبل القوات العسكرية في دارفور، أكد يوسف أن فكرة “القوات الموازية” لن تعود بعد إنهاء وجود الدعم السريع، مشيراً إلى أن قادة الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش يدركون أهمية توحيد الجيش في البلاد.
الكاتب جمعة عيسى ألقى باللوم على القوات المشتركة في الوضع الراهن في الفاشر، مشيراً إلى أن النزاعات قد تمتد لسنوات عدة.
وقال: “كان هناك حل يمكن تطبيقه، وهو اقتراح الجبهة الثورية بسحب الجيش وقوات الدعم السريع من الفاشر وتسليم المدينة لقوى محايدة. الجيش وافق على ذلك، لكن القوات المشتركة رفضت بحجة أن خروج الجيش سيفتح المجال أمام انفصال دارفور.”
وأضاف: “الواقع في الميدان يثبت أن دارفور لا تزال جزءاً من السودان، على الرغم من انسحاب الجيش من أربع ولايات. قد تستمر هذه الحرب لفترة طويلة، لكن حسمها لن يكون سهلاً لأي طرف”.