السودان الان السودان عاجل

موقع قطري : ماذا تعني للقاهرة إقامة حكومة سودانية “بديلة” في كينيا؟

مصدر الخبر / وكالات

مصدر التقرير \ موقع عربي 21 *

 

أثار إعلان القوات والحركات المسلحة في السودان عن توقيع ميثاق لتشكيل حكومة وإقامة دولة علمانية ديمقراطية لامركزية تساؤلات حول موقف القاهرة من التطورات الحالية على حدودها الجنوبية. يأتي ذلك في ظل دعمها المتواصل للجيش السوداني وحكومة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023.

منذ يوم الثلاثاء الماضي، 18 فبراير، شهدت العاصمة الكينية نيروبي لقاءً لعدد من الفصائل المسلحة السودانية التابعة لقوات الدعم السريع، التي تتلقى تمويلاً إماراتياً، بالإضافة إلى حركات وتجماعات سياسية معارضة لحكومة الخرطوم. وقد اقيمت هذه المباحثات برعاية إماراتية، وأسفرت عن “تأسيس حكومة للسلام والوحدة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الحشد”.

“حضور إماراتي.. ورفض سوداني وأممي”

وفقًا لموقع “بلومبيرغ”، ستقوم حكومة أبوظبي بتقديم قرض بقيمة 1.5 مليار دولار إلى كينيا، حيث من المقرر أن تستقبل الحكومة السودانية في المنفى. يأتي ذلك في إطار دعم الإمارات لقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، في حرب أودت بحياة 20 ألف شخص وتسببت في تشريد 15 مليون نازح ولاجئ، حسبما أفادت الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين قدر بحث من جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.

في يوم السبت، اتهم نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، كينيا بالتحرك “بتوجيه من دول أخرى لها مصالح في السودان”، ملمحاً إلى الإمارات عندما قال لموقع قناة “الحرة” الأمريكية: “لدينا دلائل تثبت دورها في الصراع في السودان”.

يتلقى تشكيل “حكومة موازية” في نيروبي معارضة من المجتمع الدولي، حيث حذر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، يوم الأربعاء من أن هذه الخطوة “ستزيد من الانقسام وتعمق الأزمة في السودان”.

في يوم الخميس، اتهم السودان الرئاسة الكينية بأنها تدعم وتروج لمؤامرة لإنشاء حكومة لقوات الدعم السريع، واستدعى سفيره في كينيا كمال جبارة، مطالبًا نيروبي بالعدول عن “التوجه الخطير” الذي قد يسفر عن ارتكاب جرائم حرب.

“ملامح الحكومة الموازية”

بينما كانت “الدعم السريع” تعقد اجتماعها في كينيا، أكدت تقارير إعلامية حدوث مجازر قامت بها عناصر قوات الدعم السريع، حيث قُتل 200 سوداني، بينهم أطفال، في ولاية النيل الأبيض.

الحكومة المحتملة تضم قوات الحشد التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي تُتهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وتمتلك السيطرة على غالبية منطقة “دارفور” غرب البلاد، بالإضافة إلى مناطق واسعة في “كردفان”.

بالإضافة إلى “الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال” التي يقودها عبدالعزيز الحلو، والذي يسيطر على مناطق شاسعة ويملك قوات في ولاية جنوب كردفان، فهو يطالب بأن يتبنى السودان النهج العلماني.

كما تشمل الأحزاب “الأمة” و”الاتحادي الديمقراطي (الأصل)”، بالإضافة إلى عضوي “مجلس السيادة السوداني سابقاً”، الهادي إدريس والطاهر حجر.

لكنّ إعلان ميثاق نيروبي وتشكيل حكومة سودانية موازية في العاصمة الكينية يحدث في وقت يختفي فيه “حميدتي” عن الساحة بشكل مثير للجدل.

يترافق تراجع مساحات سيطرة “الدعم السريع” لصالح الجيش السوداني في ولايتي الوسط (الخرطوم والجزيرة) وولايتي الجنوب (النيل الأبيض وشمال كردفان) المجاورتين لإقليم دارفور (5 ولايات) مع مخاوف من وجود عوامل تعيق نجاح هذه الخطوة، حسب ما أشار إليه المراقبون.

في تقييمه لإمكانية تنفيذ مثل هذا الميثاق، وفرص نجاح المجتمعين في نيروبي في إقامة حكومة موازية لحكومة الخرطوم، وكذلك مدى تقبلها من قبل القاهرة لهذا الوضع، والخيارات المتاحة لهما، تحدث الصحفي والأكاديمي السوداني الدكتور عبدالمطلب مكي، لـ”عربي21″.
قال إن “نتائج مؤتمر نيروبي كانت غير واضحة حتى لمنظمين المؤتمر أنفسهم، حيث تم تغيير الأجندة عدة مرات. كان الهدف في البداية تشكيل حكومة منفى، ثم تحول إلى توقيع ميثاق سياسي مشترك يجمع بين الدعم السريع والحركات المنشقة مثل (العدل والمساواة) و(الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو)”.
أشار إلى أن “المشروع واجه العديد من المشكلات، أهمها نشوب الصراع بين الشركاء منذ البداية وقبل التطرق إلى التفاصيل، بالإضافة إلى القضايا المعقدة. ولذلك، فإن الميثاق الجديد والحكومة المتوقعة نتيجة لذلك ستظهر وهي تحمل في طياتها بذور الفشل.”
يعتقد مكي أن هذه الجهود ستفشل لأسباب عدة، أولها أن “أهداف عبدالعزيز الحلو وقواعده في جبال النوبة تتناقض تماماً مع أهداف قوات الدعم السريع”.
يواجه “الحلو” معارضة قوية من أبناء النوبة التي تمنعه من الدخول في توافقات مع قوات الدعم السريع، وقد تؤدي هذه المعارضة إلى الإطاحة به. لذلك، نرى أنه يتخذ مواقف حذرة في تعليقاته، والتي اختتمها بعبارة أنه يأمل في سلام يشمل حتى حكومة بورتسودان، مما يعني أنه لا يرغب في الالتزام باتفاق طويل الأمد مع الدعم السريع.
أشار أيضًا إلى أن “الاجتماع تأجل عدة مرات بسبب أن عبد العزيز الحلو أعلن أن القرار ينبغي أن يصدر عن مجلس الحركة، وهو بذلك يسعى لتجنب تحمل مسؤولية مشاركة قوات الدعم السريع في مشروعه بمفرده ويدعي أنه ينفذ توجيهات المجلس”.
يعتقد الأكاديمي السوداني أن “قوات الحركة لن تسمح بأن يقودها قائد من قوات الدعم السريع، كما أن مجموعة دقلو لن توافق على أن يتولى النوبة القيادة، وهذا صراع على أعلى المستويات وسينتهي حتما بفشل المشروع”.
أوضح أن “تكرار غياب محمد حمدان دقلو، وفشل قوات الدعم السريع في تقديم تفسير لسبب غيابه، أثار الكثير من التساؤلات حول مصداقية المشروع بشكل عام”.
وأشار إلى أن “عبد الرحيم دقلو ظهر كقائد منفرد لقوات الدعم السريع، وهو الشخصية الرئيسية في مجموعة التأسيس، وسيؤدي ذلك إلى تبعات سلبية عديدة بسبب إدراك الجنود لضعف كفاءته كقائد سياسي”.
أوضح مكي أن “رفض أحزاب (تقدم) المشاركة في الميثاق يجعل قوات الدعم السريع تفتقر إلى القدرات السياسية والتنظيمية، وهذا ما تجلى بشكل واضح في الفوضى الكبيرة في التنظيم، على عكس المؤتمرات التي قادها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، حيث حققت تلك المؤتمرات أهدافها التنظيمية بسلاسة على الأقل”.
وأشار إلى أن “الانكسارات الميدانية لقوات الدعم السريع والتقدم المتواصل للجيش السوداني تجعل من مشروع قوات الدعم السريع مجرد خطوة غير محسوبة”.
وأضاف: “أيضًا، جميع المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع قد فُرغت من السكان، ولا تتواجد فيها أي مظاهر حكومية، مما يجعل فكرة إعلان حكومة من الداخل تبدو كحلم بعيد المنال”.
وأكد أن “المشاركين في نيروبي لم يوضحوا فلسفة واضحة، وأن مطالب عبدالعزيز الحلو بالعلمانية تثير الشكوك حول أهداف الميثاق ككل، خصوصاً أن حكومة السلام لا يمكن أن تكون متهمة ومدانة في العديد من الحالات بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العزل”.
اختتم رؤيته للأسباب المحتملة وراء فشل “ميثاق نيروبي”، مشيراً إلى أن “حلفاء الدعم السريع في الميثاق هم جميعاً منشقون عن تيارات أخرى، مما سيجعل من الصعب عليهم العودة إلى قواعدهم والترويج لحكومتهم الجديدة”.
ماذا عن مصر؟
وقبل حوالي ثلاثة أسابيع من استضافة كينيا لمؤتمر الحشد السريع وشركائه لإقامة الحكومة الموازية في الخارج، قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الكيني بتوقيع اتفاقيات تجارية في القاهرة بتاريخ 29 يناير الماضي، بقيمة تتجاوز نصف مليار دولار، بالإضافة إلى اتفاقيات في مجالات الدفاع والأمن.
طرحت بعض الآراء تساؤلات حول موقف القاهرة التي لم تصدر أي تصريحات رسمية بشأن ميثاق نيروبي. ومع ذلك، فإن مصر، التي تدعم الجيش السوداني والحكومة في الخرطوم دبلوماسياً وسياسياً بصفتها السلطة الرسمية المعترف بها دولياً، أكدت في يوم الخميس الماضي، عبر تصريح للسيسي، على “ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضي السودان، والحفاظ على مؤسساته الوطنية”.
على الرغم من الدعم الذي تقدمه القاهرة، إلا أن الخرطوم تواصل السعي للعثور على حلفاء لدعم جهودها في الحرب التي حققت فيها تقدمًا خلال الأسابيع الماضية، كما ظهر في إعلان السودان الأسبوع الماضي عن تعزيز علاقاته مع إيران.
وفقًا لمجلة “فورين بوليسي”، تسعى حكومة البرهان للحصول على مساعدات من روسيا، التي قدمت في البداية الأسلحة لقوات الدعم السريع، ثم تعهدت بتقديم دعم عسكري إضافي للجيش السوداني مقابل بناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر بالقرب من ميناء بورتسودان، وهي المدينة التي تتخذها حكومة البرهان كمقر مؤقت.
“مؤامرة على السودان ومصر”
وفيما يتعلق بقراءته لحديث البعض عن وجود مؤامرة لتقسيم السودان التي بدأت تظهر على أرض الواقع، وما ينبغي على القاهرة القيام به بالتعاون مع الخرطوم لإنهاء الأزمة واستعادة وحدة الأراضي السودانية، قال الصحفي السوداني: “بالطبع إن تحرك نيروبي يدل على أن المؤامرة قد بدأت تتكشف وأصبحت لها وجود ملموس يعبّر عن نفسها”.
وأشار إلى أن “الهدف هو التحكم في القرار السياسي لصالح تحالف يضم إثيوبيا، وكينيا، وتشاد، وجنوب السودان. ويُعَد وجود كينيا في هذه المرحلة مقصودًا لتفادي إثارة الشكوك حول المشروع وكأنه مدعوم من إثيوبيا أو تشاد أو جنوب السودان”.
يعتقد مكي أن “المعارك تدور أساساً ضد مصر، وأرى أن الدبلوماسية المصرية تدرك هذا الواقع، لكن قد تكون لديها اعتبارات خاصة تؤثر على ردود أفعالها في المستقبل.”
وختم بالقول: “أنا مقتنع بأن المشروع لن يحقق النجاح في ظل الاستقطاب الشديد الحالي، ولكن يتعين على مصر أيضًا أن تقف مباشرة إلى جانب السودان من الناحية الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، وحتى بتقديم الدعم العسكري غير المباشر، وإلا ستأتي فترة يصبح فيها الواقع قد تجاوز إمكانيات المعالجة”.
“الحشد لن يقدر”
في رؤيته لمدى خطورة هذا الوضع على مصالح مصر، خاصة فيما يتعلق بالمياه، وما قد يترتب على طلب الدولة الناشئة إذا تم تقسيم مياه النيل، يشير وزير الري المصري السابق محمد نصر الدين علام إلى ضرورة اتخاذ القاهرة خطوات فعالة لمواجهة الأزمة الجديدة المتوقعة على الحدود الجنوبية لمصر، لكنه يرى أن التحركات السريعة لن تكون قادرة على تحقيق ما تم ذكره.
قال لـ”عربي21″ إن “القصة بأكملها تعتمد على قوة الحشد السريع، والتي أراها ضعيفة في جميع الجبهات”، مشددا على أن “ما تقوم به مصر حاليا هو ما يجب فعله، وهو كاف”.
“مصالح مصر من سلامة السودان”
في تعليق له على كيفية تعامل حكومة القاهرة مع التطورات الحالية على الحدود الجنوبية لمصر وتأثيرها على أمن البلاد القومي، تحدث مساعد وزير الخارجية المصري السابق الدكتور عبدالله الأشعل لموقع “عربي21”.
وقال إن “بعض الأشخاص يرون أن مصر أصبحت في العقد الماضي وسيلة لإثارة المشكلات العربية، ويعتقد المراقبون أنها متورطة في الأزمات في ليبيا وسوريا وفلسطين، وحتى في جارتها الجنوبية السودان”.
وأشار إلى أن “مفهوم الأمن القومي يُفهم بشكل مختلف، إذ أن الأمن القومي يُعتبر مخاوف حقيقية فقط عندما تتوافق مع مصالح السلطة، أما إذا كانت هذه المصالح غير متوافقة مع الكرسي فلن يكون لها اعتبار كأمن قومي”.
وأكد على أن “مصالح مصر تتطلب استقرار السودان، واستقرار ليبيا، واستقرار فلسطين، بالإضافة إلى بناء علاقة جيدة مع الغرب وأوروبا، خاصة لأنها دول تقع في شمال البحر المتوسط”.
وأشار إلى أن “وجود أي كيان مماثل يزيد من المخاطر المرتبطة بمصالح مصر المائية”، منوهًا إلى أن “قلق البعض من إمكانية طلب هذا الكيان المشاركة في حصة مصر من المياه، هو أمر محتمل”.
وأضاف قائلاً: “لكن الكثير من السياسيين يعتقدون أن الحكومة المصرية قد تآمرت مع إثيوبيا في قضية مياه النيل والسد الإثيوبي، وآخر ما تم تداوله من شائعات هو بيع المياه للشعب المصري”.
وأضاف: “على الرغم من أنني لا أجزم بذلك لأنني لا أملك معلومات مؤكدة ولا أستند إلى الشائعات، إلا أن تصرفات الحكومة المصرية تجاه المواطن تشير بوضوح إلى هذا الأمر”.
وفيما يتعلق بالحديث حول دعم الإمارات لميثاق نيروبي والدعم المحتمل لتلك الدولة، والذي يُعتبر جزءاً من خطة مدروسة، أشار إلى أن “الأزمات التي تعيشها المنطقة العربية هي نتيجة تماهي كامل بين إسرائيل وأمريكا وجميع الحكام العرب باستثناء الجزائر، حسب اعتقادي”.
وأضاف: “جميعهم يتبعون توجيهات أمريكية وإسرائيلية، وهذه التوجيهات لن تستمر إلا من خلال تقسيم مصر، وتقسيم مصر يجري بالفعل وبنشاط، بدءاً من السودان”.
واختتم بقوله: “الأهم هو وعي الشعب المصري الذي أراهن عليه بشكل كبير، ويجب تعزيز وعيه فكرياً وثقافياً لأن الوعي هو ما سيفشل هذه المؤامرات”.
“مؤامرة في خيالهم”
في مقال للصحفي السوداني عثمان ميرغني في صحيفة “الشرق الأوسط”، أشار إلى أن مشروع الحكومة الموازية الجاري الإعداد له في نيروبي “واجه صعوبات منذ البداية، بدءًا من الانقسام في تنسيقية القوى المدنية (تقدم) وحلها، سواء كان الانفصال بين الجناحين حقيقيًا أو تكتيكيًا”.
بيّن أنه “تلا ذلك تأجيل الجلسة الافتتاحية لمؤتمر (التأسيس) لهذه الحكومة لمدة 24 ساعة، ثم تم تأجيل التوقيع على الميثاق لمدة 3 أيام، وحتى بعد هذا التأخير فإن تشكيل الحكومة وهياكلها لا يزال معلقاً حتى إشعار آخر”.
ورأى أن “هذه البداية غير الموفقة تشير إلى ما ينتظر هذه الحكومة إذا تمت ولادتها، والفشل المتوقع للخطة التي يقودها المعنيون بها”.
وقال إن هذه الخطوة “تعتبر في جوهرها حملة إعلامية تهدف إلى رفع المعنويات بعد الهزائم المتتالية التي تعرضت لها قوات الدعم السريع، أكثر من كونها مشروعا حقيقيا لدولة لا وجود لها إلا في خيال من حلموا بها ونسجوا مؤامرتها”.
ورد في تقرير لصحيفة “التايمز” أن الحشد السريع في نيروبي يسعى إلى تحقيق ما عجز عن الحصول عليه في ساحة المعركة من خلال المفاوضات.

 

*موقع قطري اخباري

عن مصدر الخبر

وكالات