لا تُعتبر التهديدات التي أطلقها ياسر العطا جديدة، حيث اعتاد على توجيه الانتقادات لدول الجوار واتهامها بالوقوف وراء دعم “قوات الدعم السريع”. ففي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، اتهم العطا سلطات تشاد باستخدام مطار “أم جرس” لنقل الإمدادات إلى “قوات الدعم السريع”، كما وجه اتهامات لأوغندا وأفريقيا الوسطى وكينيا بالتورط في دعمها. من جانبها، اعتبرت وزارة الخارجية التشادية في بيان قوي اللهجة أن تصريحات ياسر العطا تمثل “إعلان حرب”، مشددة على أنها تأخذ كلامه بجدية تامة، لما يتضمنه من “تهديدات مباشرة تمس أمن وسلامة أراضي بلدنا”.
في هذا الإطار، يرى المحلل السياسي التشادي، أبكر إدريس حسن، أن “تهديدات السودان بقصف تشاد عسكرياً تأتي كنوع من الانتقام للهزيمة التي تعرضت لها القوات السودانية على يد (قوات الدعم السريع) على مدار السنتين الماضيتين… والآن، بعد أن تمكن الجيش من استعادة قوته والسيطرة على العاصمة الخرطوم، يحاول أن يبرز وجوده للجميع”.
أوضح حسن في لقاء مع “الشرق الأوسط” أن أزمة العلاقات بين نجامينا والخرطوم تعود إلى اتهام السودان لجارته الغربية تشاد بدعم “قوات الدعم السريع” من خلال تمرير المساعدات العسكرية عبر الحدود التشادية، خصوصاً عبر مطاري نجامينا وأم جرس، واللذين تعتبرهما الخرطوم قاعدتين لوجستيتين لهذه القوات، وهو ما تنفيه الحكومة التشادية بشكل قاطع. وأشار حسن إلى أنه بسبب الحدود الطويلة بين البلدين وتوزع القبائل المشتركة في المنطقة الحدودية، خاصة القبائل العربية التي تتسلل نحو السودان للمشاركة في الصراع، فإنه من الطبيعي أن توجه السلطات السودانية اتهاماتها إلى تشاد؛ إلا أن الواقع يشير إلى أن تشاد لديها ما يكفي من الأزمات الداخلية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
من جهة أخرى، أشار المحلل السياسي التشادي إلى أن بلاده، نتيجة للصراع في السودان، “تعرضت لتدفق اللاجئين السودانيين، حيث استقبلت ملايين منهم وقدمت لهم المأوى، مما ألقى بعبء إنساني واقتصادي كبير على مواردها المحدودة، على الرغم من جهود الإغاثة”. وأضاف أن “تشاد تبتعد عن هذا الصراع لأنها تدرك أن تفاقم الوضع في السودان يؤثر سلبًا على الأمن في الحدود المشتركة”. وتجدر الإشارة إلى أن السودان كان قد قدم في نوفمبر الماضي شكوى رسمية ضد تشاد إلى “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” التابعة للاتحاد الأفريقي، تتعلق بدعمها المزعوم لـ”قوات الدعم السريع” عن طريق تمرير العتاد العسكري والمقاتلين عبر أراضيها إلى داخل السودان. بالتوازي مع ذلك، أعربت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في جمهورية جنوب السودان عن قلقها البالغ وإدانتها الشديدة لتصريحات ياسر العطا، الذي هدد بـ”العدوان العسكري على شعب وسيادة جنوب السودان”، واعتبرت هذه التصريحات ليست فقط “متهورة واستفزازية” بل أيضاً “انتهاكًا صارخًا لمبادئ حسن الجوار والتعايش السلمي والقانون الدولي”.
أكدت الوزارة التزام جنوب السودان الثابت بالسلام والاستقرار الإقليمي، ودعت الشركاء الإقليميين والدوليين، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، إلى أخذ “هذه التصريحات العدائية بعين الاعتبار والتعامل مع جمهورية السودان لمنع أي تصعيد قد يهدد السلام والأمن الإقليميين”. وأوضحت أن حكومة جمهورية جنوب السودان ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية أراضيها ومواطنيها. ومن جهته، اعتبر أتيم سايمون، المحلل السياسي من جنوب السودان، في حديث مع “الشرق الأوسط”، أن “تهديدات الجيش السوداني تجاه جنوب السودان تشير إلى وجود خطة لقصف البلاد بعد انتهاء الجيش من المعركة الرئيسية في الخرطوم، وهو ما يشكل تهديداً للأمن الإقليمي”.
واصل سايمون حديثه قائلاً: “تلك التصريحات هي محاولة لصرف انتباه الرأي العام السوداني عن القضية الأساسية، وهي الحرب في بلاده، نحو مسائل ثانوية. من مصلحة جنوب السودان كدولة أن تقيم علاقات ثنائية مع غيرها بناءً على مصالحها، وهذا أمر لا يتعلق بالسودان”. وتحدث سايمون عن الأبعاد المتعلقة بالوضع من وجهة نظره، حيث أوضح أن “جنوب السودان تلعب دوراً محايداً في الصراع السوداني، وقد قامت بوساطات أدت إلى اتفاقات سلام بين الفصائل المسلحة في السودان سابقاً. ليس هناك علاقة بين سلطات جوبا و(قوات الدعم السريع)، بل كان التواصل معها، الذي تم بموافقة الجيش السوداني، حصرياً من أجل معالجة مشاكل تتعلق بأنبوب تصدير النفط من جنوب السودان الذي يمر في مناطق تسيطر عليها (الدعم السريع) وقد تعرض لضرر”. فعلياً، واجه اقتصاد جنوب السودان ضغوطاً كبيرة في السنوات الأخيرة وسط أعمال عنف مرتبطة بالعرق. وقد انخفضت عوائد تصدير النفط الخام منذ الحرب الأهلية التي استمرت من 2013 إلى 2018، بالإضافة إلى الاضطرابات الأخيرة الناتجة عن الحرب في السودان. وكانت جنوب السودان تورد حوالي 150 ألف برميل يومياً عبر الأراضي السودانية منذ استقلالها عن الخرطوم في 2011، بينما في أوج إنتاجها النفطي قبيل الحرب الأهلية، كان الإنتاج يتراوح بين 350 ألف و400 ألف برميل يومياً. وفي سياق آخر، تم الإعلان عن اتصال هاتفي بين رئيس “مجلس السيادة” السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت يوم الخميس.
ووفقا لوكالة الأنباء السودانية “سونا”، استعرض البرهان خلال الاتصال الأوضاع في الجنوب بعد الأحداث الأخيرة في مدينة الناصر، متمنياً الأمن والاستقرار لشعب جنوب السودان وأكد على دعم السودان للحفاظ على السلام والاستقرار بين الدولتين. كما أبلغ البرهان سلفاكير بتطورات الأوضاع في السودان، لكن لم يصدر أي تراجع رسمي من قبل الخرطوم حول تصريحات العطا بشأن جنوب السودان وتشاد. وفي هذا السياق، دعا كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى ضرورة وقف التصعيد العسكري في السودان، مشددين على أهمية العودة إلى الحلول الدبلوماسية.
وقد أشار الناطق الرسمي للأمم المتحدة إلى أن التصعيد يشكل تهديداً للأمن الإقليمي ويعطل الجهود للحل السلمي. من جهته، أكد محمد العروسي، نائب في البرلمان الإثيوبي، أن تصاعد التوترات بين السودان وجيرانه مثل تشاد وجنوب السودان قد يؤدي إلى اضطراب أكبر في إقليم القرن الأفريقي، مما يؤثر على الأمن الإقليمي. وأضاف أن أي تصعيد مع جنوب السودان قد يعيق الاستقرار الهش في تلك الدولة، ما يؤثر مجددا على التجارة والأمن، وهو ما تراقبه إثيوبيا كقوة اقتصادية وعسكرية رئيسية في المنطقة. ومع ذلك، أكد العروسي أن إثيوبيا ليست تعتبر هذه التهديدات تهديداً مباشراً لأمنها القومي إلا إذا امتد الأمر ليشمل مصالحها الجوهرية. حالياً، تبدو إثيوبيا متبنية موقفاً حيادياً، حيث تسعى للحفاظ على توازن علاقاتها مع الدول المجاورة، وتراقب الوضع في السودان عن كثب، مفضلة دعم أي جهود دبلوماسية تهدف لخفض التصعيد بدلاً من الانخراط بشكل مباشر في النزاع.
يا سبحان الله آن الاوان ان يفتي و ينظر تنابلة طال منشارو في امرنا، صدق المحجوب حين قال هذا زمانك يا مهازل .،.