القاهرة – صباح موسى
بدأ منحنى الأزمة السودانية المصرية في الهبوط الشديد بعد لقاء الرئيسين، عمر البشير وعبد الفتاح السيسي، نهايات الشهر الماضي بأديس أبابا، وباتت قرارات الرئيسين في القمة في طريقها لأرض الواقع، حيث قررا تكوين لجنة سياسية أمنية لمتابعة القضايا العالقة بين البلدين، وأعلنت الخارجية المصرية أمس الأول (الأحد) عن اجتماع رباعي بين وزيري الخارجية ومديري أجهزة الأمن والمخابرات بعد غد (الخميس) بالقاهرة.
وقال أحمد أبو زيد الناطق الرسمي للخارجية المصرية في بيان تلقت (اليوم التالي) نسخة منه، إن الاجتماع يأتي تنفيذاً لتوجيهات الرئيسين عبد الفتاح السيسي وعمر البشير عقب لقائهما الأخير على هامش قمة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مضيفا أنه تم الاتفاق على إنشاء آلية تشاورية رباعية بين وزارتي الخارجية وجهازي المخابرات العامة في البلدين لتعزيز التضامن والتعاون بين البلدين في إطار العلاقة الاستراتيجية التي تجمع بينهما، والتعامل مع جميع الملفات والقضايا المرتبطة بمسار العلاقة الثنائية في مختلف المجالات، فضلا عن إزالة أية شوائب قد تعتري تلك العلاقة في مناخ من الأخوة والتضامن ووحدة المصير في مواجهة التحديات المشتركة. وكشف أبو زيد أن الاجتماعات المقرر عقدها بالقاهرة سوف تشمل محادثات ثنائية على مستوى وزيري الخارجية، وأخرى بين رئيسي جهازي المخابرات، ثم محادثات رباعية يعقبها مؤتمر صحفي لوزيري خارجية البلدين.
وعلمت (اليوم التالي) أن البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية سيعود من العاصمة الإيطالية روما إلى القاهرة مباشرة لحضور الاجتماع، كما علمنا أن السفير عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان بالقاهرة لن يحضر هذا اللقاء، وأن موعد عودة السفير للقاهرة لم يُحدد بعد، ويبدو أن الطرف السوداني ينتظر نتائج الاجتماع الرباعي المرتقب بالقاهرة ومدى جدية قرارات تنفيذ كافة القضايا العالقة بين مصر والسودان، والملاحظ أن القاهرة باتت مهيأة تماما لعودة العلاقات بين البلدين إلى سابق هدوئها، فبعد حديث الرئيس السيسي بأديس أبابا ومطالبته للإعلام المصري بعدم الهجوم على السودان، بل ومهاجمته لبعض وسائل الإعلام بألا تعكر صفو علاقات مصر الخارجية، باتت الساحة الإعلامية المصرية في حالة مخالفة تماما وتبدل الحديث من هجوم البعض عن العلاقات الحميمية بين البلدين، وعن التاريخ والمصير المشترك.
أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أوضحت أن الاجتماع الرباعي بين وزيري خارجية ورئيسي مخابرات مصر والسودان الخميس المقبل، سيتناول الملفات التي تسببت في تصعيد التوتر بين البلدين خلال عام 2017، وقالت الطويل في تصريحات صحفية بالقاهرة، أمس (الاثنين)، إنه سيقع على أولويتها طبيعة الموقف السوداني من ملف “سد النهضة” خصوصا في إسناد مصر بشأن سنوات التخزين وما هو منصوص عليه في اتفاق المبادئ، مضيفة أن المسألة الأخرى مرتبطة بالموقف من السلع المصرية، إذ توقفت حركة استيراد السودان للسلع المصرية بقرار سياسي، متابعة أن المسألة الثالثة هي ملف “حلايب وشلاتين” وسوف يبحث مع طبيعة العلاقات “التركية -السودانية” وتداعياتها على أمن البحر الأحمر، وتابعت الطويل أنه قد يشهد موقف السودان تغييرا بعد الاجتماعات الأخيرة خلال القمة الأفريقية، وتسير نحو نوع من التوازن خلال المرحلة المقبلة حتى يتم تحجيم التصعيد في العلاقات مع مصر، خاصة أن الأمر أثر على البلدين، مشيرة إلى أن وقف استيراد السلع المصرية تسبب في رفع أسعار السلع داخل السودان، وهو أمر ليس في صالح النظام السوداني، لافتة إلى أن التهديد المشترك الذي تواجهه مصر والسودان كتحدٍ هو طبيعة الاستقرار الأمني في منطقة الغرب لكلا الدولتين، إذ يُتوقع منها حجم تهديدات واسعة في غضون السنوات الثلاث المقبلة تتطلب تحالفا وتضامنا إقليميا بين مصر والسودان وتشاد، لأن بؤرة هذا التهديد هي ليبيا وممتد في كل إقليم الساحل والصحراء.
ويبدو أن “الطويل” ركزت على متطلبات الجانب المصري أكثر في حين أن الاجتماع سوف يركز – وفق مصادر- على الهواجس السودانية وعلى رأسها ملف حلايب والتي تعتبر القضية الجوهرية والأساسية وستكون مفتاح الاجتماع، بالإضافة إلى تجاوزات الإعلام المصري. وقالت المصادر التي رفضت الإفصاح عن هويتها لـ(اليوم التالي)، إن الخرطوم ترغب هذه المرة في وضع نقاط بشكل جدي على حروف العلاقات الثنائية بين البلدين، وأنها لن تستهين في التنفيذ كما كان يحدث في السابق، وأضافت المصادر أن عودة السفير عبد الحيم عبد المحمود بشكل نهائي للقاهرة هو التعبير الأمثل للصفاء السوداني التام، وأن عدم عودته حتى الآن رغم لقاء الرئيسين ووزيري خارجية البلدين يدل على أنه مازال هناك شيء في نفس يعقوب السودانية، وأشارت المصادر إلى أن الاجتماع لن يناقش سد النهضة، لأنه شأن ثلاثي مع إثيوبيا، وأن باقي القضايا القنصلية والاقتصادية بين البلدين هناك لجان تعمل فيها بشكل جدي، ووصلت فيها إلى خطوات مرضية.
من جانبه، أكد خالد محمد علي الكاتب والمحلل السياسي المصري الخبير في الشأن السوداني، أن الاجتماع يمثل بداية لنهاية أزمة بين البلدين. وقال علي لـ(اليوم التالي) إن هذا الاجتماع هو انعكاس سريع لما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين السيسي والبشير بأديس أبابا، وأن هذا مؤشر جيد لحسن النوايا وجديتها بين الطرفين، مضيفا أن تغيير لهجة بعض وسائل الإعلام المصرية وترحيبها بما يحدث هو أيضا انعكاس لحالة تراخٍ كبير على صعيد الأزمة بين البلدين، ورأى أن جلوس وزيري الخارجية ومديري أجهزة الأمن والمخابرات لن يجعل هناك أي مبرر للحديث عن أزمة مكتومة مرة أخرى، وأنه على المفاوضين أن يقدموا خارطة طريق لكيفية حل القضايا العالقة ورفعها لقيادة البلدين، وبالتالي نحن أمام حالة جديدة وجدية في حل هذه القضايا، وقال في تصوري هناك فرصة جيدة، لأن تطرح كل الأمور بشكل واضح وصريح، وتابع ولكني كنت أتمنى أن يحضر هذا الاجتماع بجانب السياسة والأمن عنصر اقتصادي، لأن الاقتصاد هو الذي يحمي العلاقات بشكل كامل.
ويبقى أننا في انتظار اجتماع هام للغاية بين الطرفين وأنه إذا أخذ بالجدية التي حدد من أجلها سوف تأخذ العلاقة بين مصر والسودان شكلا مختلفا في مقبل الأيام.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي