الخرطوم – حافظ محمد أحمد
يزور كأس العالم لكرة القدم العاصمة الخرطوم يومي الخميس والجمعة القادمين، ضمن جولة الكأس الرابعة، بهدف إتاحة الفرصة أمام مشجعي كرة القدم في السودان لمشاهدة الكأس التي تعتبر أكبر جائزة في بطولات كرة القدم في العالم، إذ تهدف الجولة إلى منح الملايين في أنحاء العالم فرصة الاستعداد لأكبر بطولة عالمية ينتظرها الجميع بشوق وهي كأس العالم 2018م .
(1)
يُعيد الحدث نقاشاً لا ينتهي حول سياسات البلاد لكرة القدم، وأسلوب الحكومة في التعامل مع أبرز نشاط رياضي جماهيري، فيما تعد الكرة بالنسبة للسياسيين هنا في السودان مجرد لعبة، الهدف منها الترويح وإمضاء الوقت في الجدل والنقاش العقيم دون وضع أسس لتطويرها باعتبارها جزءا من حركة المجتمع وسفارة تفوقت على نظيراتها في السياسة.
وليس أبلغ من أن أضعف الميزانيات هي التي تذهب لوزارة الشباب والرياضة، فيما تعاني كل المنتخبات السودانية من قلة الدعم، أو انعدامه أحياناً لدرجة دفعت بأن يطلق على المنتخب السوداني في يوم ما اسم (سعد اليتيم)، وهو وصف يؤكد أن كرة القدم بلا راعٍ وتتكئ على عكازين لتسقط كثيرا وتقف أحيانا بالصدفة البحتة.
(2)
يبدو أن عشاق كرة القدم سيكونون دوماً في حالة اجترار لذكريات الماضي وبعيدا عن ضآلة الإنجازات أو انعدامها بعد تأريخ 1970 الموعد الأخير للتتويج بأول وآخر لقب قاري على مستوى المنتخبات واحتفاظ المريخ 27 عاماً بوضعه كأول وآخر نادٍ سوداني يتوج بلقب قاري، بينما ما تزال كرة القدم تعاني على مستوى اختيار الكوادر الإدارية، إذ عاد الدكتور كمال حامد شداد لقيادة اتحاد كرة القدم في الموسم الماضي، ليجسد معاناة حقيقية للكرة السودانية، وهي معاناة يلخصها حديث شداد نفسه عندما ذكر في أول ظهور له بعد توليه المسؤولية، أنه حزين للغاية وليس سعيداً مطلقاً لتوليه رئاسة الاتحاد، مبينا أنهم أحضروه من (حافة القبر) من أجل أن يتقلد منصب رئاسة أكبر مؤسسة رياضية في البلاد، وهو ما يؤكد خلو الساحة تماماً من كوادر مؤهلة وجريئة لتشرف على النشاط وتكون له عقلا مدبرا ومبتكرا للسياسات التي يمكن أن تعيد لكرة القدم السودانية ألقها القديم.
(3)
تم اختيار جيل منتخب 1970 المتوج باللقب الوحيد للكرة السودانية على مستوى بطولة إفريقيا للأمم على مستوى المنتخبات، باعتباره صاحب الإنجاز الأكبر على الإطلاق في تأريخ الكرة السودانية، التي شهدت تراجعا مريعا بعد ذلك، وتحول الطموح من التتويج بالألقاب وبات الوصول والمشاركة التشريفية في نهائيات البطولة في القارة السمراء سقفاً وأمنية تم الاحتفاء بها بعد ثلاثة عقود من الزمان من تأريخ آخر ظهور لصقور الجديان في الكان الأفريقي وكان ذلك في العام 2006.
وعلى الرغم من أن اختيار جيل الإنجاز الوحيد – وإن كان صحيحا ومتوافقا تماما لاستقبال أكبر رمز للبطولات على مستوى العالم- غير أنه خلف حسرة كبيرة وأعاد للأذهان التراجع المريع لكرة القدم السودانية، إذ إن عددا كبيرا من عناصر ذلك الجيل تحت الثرى، بينما بلغ البقية من العمر عتيا.
(4)
عندما كان بيليه ورفاقه يذهلون العالم في مونديال 1970م، كانت البرازيل ترزح تحت الفقر والمعاناة وتعاني ويلات الثورات المتواصلة التي توقفت فجأة خلال البطولة، فاحتارت السلطات في السبب وأتت الإجابة مذهلة، إن الشعب مشغول ببيليه وكارلوس البرتو وزاجالو ورفاقهم، ومن يومها تم تخصيص أكبر ميزانية لوزارة الشباب والرياضة، فحصد أبناء السامبا الثمار بطولات لا تنقطع وإرثا كرويا تتناقله الأجيال جيلا بعد آخر، وتدر كرة القدم أرباحا مذهلة من ضرائب للاعبين المحترفين الذين يتوزعون في أرجاء العالم.. قد يجهل كثيرون موقع البرازيل في أمريكا اللاتينية، وقد لا يعرفون الكثير عنها ولكن الاسم يتردد على اللسان كلما ذكرت كلمة الرياضة وكرة القدم، وتفوقت كرة القدم البرازيلية على ابنها الشهير وسبقته في السمعة.
(5)
يبدو غريباً التراجع المريع للكرة السودانية مقارنة بالكثير من الدول التي ساهم سودانيون في قيام اتحاداتها وتمت تسمية أندية على اسم أنديتها، بينما تشهد الكرة صراعات موسمية وتدخلات تفاقم وضعها سواء على نحو ما حدث في كارثة التجميد الموسم الماضي التي عصفت بطموح المريخ، وكادت أن تنهي آمال هلال الأبيض، وكاد القرار الكارثي أن يطيح بما تبقى من سمعة الكرة السودانية، لكنه كشف في الوقت نفسه مدى المعاناة التي يعيشها واقع كرة القدم التي لم تنتقل من مربع عدم الاهتمام بها للنظرة القاصرة لها، وهو وضع سيزيد مساحات التراجع ويصعب المهمة باستثناء إشراقات لا تمثل سوى إضاءة خافتة في العتمة.
بالنسبة لعصام الحاج عثمان القيادي بنادي المريخ في آخر لجنة تسيير، فإن كرة القدم باتت صناعة وتحتاج للمال والأفكار، مؤمنا على الدور المقدر الذي تلعبه، لافتا إلى أن كرة القدم باتت سفارة ودبلوماسية وتلعب دورا قد تعجز عنه السياسة، ودلل بمواقف عديدة ساهمت فيها كرة القدم بنصيب وافر في إعادة مياه إلى مجاريها بين دول كادت أن تدور بينها حروب طاحنة، معتبرا أن الاهتمام بكرة القدم ينبغي أن يتحول بحسب أهميتها، وطالب عصام الحاج بالاستفادة من زيارة كأس العالم لتكون بمثابة تنبيه للجميع.
واعتبر الحاج أن ما تعيشه الرياضة من معاناة يجعل الوصول لكأس العالم فقط والمشاركة في النهائيات غاية إدراكها يتتطلب عقليات بمواصفات خاصة، واعتبر عصام الحاج الصراعات والنظرة القاصرة لكرة القدم وعدم الاهتمام بها على كافة المستويات، بجانب التعصب الأعمى وعدم حياد الاتحاد، جميعها أسباب لتراجع الكرة السودانية، مؤكدا أن الإشراقات التي حدثت في السنوات الماضية كانت نتيجة الأموال التي تدفقت والاهتمام الذي وجده فريقا القمة (المريخ والهلال)، وانعكس على المنتخب الذي وصل لنهائيات الأمم الأفريقية نسختي (2006 و2010).
(6)
جولة كأس العالم التي ستجوب البلاد تنضوي تحت لواء الاتحاد الدولي وستكون رؤية الكأس فيها على الطبيعة أشبه بالخيال، إذ إن التتويج باللقب يلامس سقف المستحيل، والوصول للنهائيات فقط يماثل غاية الأماني وأشبه بالحلم، وهو وضع لا يتوافق مطلقاً مع كمية المواهب المتوافرة، إذ إن كثيرين يعتقدون أن الموهبة السودانية شديدة الشبه بالموهبة البرازيلية ليكون الاختلاف الكبير الذي يصنع الفارق هو الاهتمام بالسياسات التي لا تعترف بالرياضة إلا في حدود اللعب واللهو.
(7)
وعبر هذه الجولة وجهت شركة كوكاكولا والفيفا المشجعين للحصول على نظرة من قرب على الكأس الأصلية التي ستقدمها الفيفا للبلد الذي سيفوز ببطولة كأس العالم.
وبهذه المناسبة قال عماد بن موسى المدير العام لمنطقة كوكاكولا مصر وشمال أفريقيا “نحن سعداء لمنح الشعب السوداني الفرصة لمشاهدة الكأس، أحد أهم رموز بطولة كأس العالم لكرة القدم 2018م، ونؤمن بأن فعاليات جولة الكأس من كوكاكولا يمكن أن تكون قوة للخير توحد الناس حول رياضة كرة القدم، وأضاف – أحد الأسباب التي دفعت بزيارة الكأس للسودان، هو عشق هذا البلد الكبير لكرة القدم ولبطولة كأس العالم “.
وقال السيد إيهاب داود عبد اللطيف، العضو المنتدب لدال الغذائية: “إن استضافتنا لجولة كأس العالم للمرة الأولى في السودان تمنحنا الرضى والسرور، وهي تمثل مصدراً للإلهام لمجتمع كرة القدم السوداني وللبلد، ونأمل أن تكون هذه الزيارة التاريخية حافزاً لمنتخبنا الوطني سعياً نحو المنافسة في نهائيات كأس العالم في المستقبل القريب.
وخلال زيارة الكأس للسودان والتي ستستمر ليومين سيقام مؤتمر صحفي واحتفال بمطار الخرطوم، ترحيباً بالكأس، وفي اليوم الثاني سيحظى عشاق كرة القدم السودانيون بفرصة مشاهدة الكأس والتقاط الصور في فعالية خاصة.
ويعتبر السودان المحطة السابعة والعشرين في جولة الكأس، وستتوجه طائرة كوكاكولا التي تحمل الكأس من دبي للخرطوم مباشرة إلى أديس أبابا.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي