السودان الان

“فضاء الحرية وآفاق المصالحة” الإعلان المفاجئ من قبل مدير جهاز الأمن والمخابرات بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتنفيذه مساء أمس، بدا وكأنه يطرح السؤال هل نحن أمام مرحلة جديدة يتم من خلالها تمهيد طريق التعافي السياسي؟

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – الزين عثمان
رسالة مقتضبة بعثت بها دائرة الإعلام الخارجي في جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى مراسلي الصحف ووكالات الأنباء العالمية بالخرطوم لحضور مؤتمر صحفي يعقده المدير العام لجهاز الأمن، الفريق أول أمن صلاح عبد الله قوش بمباني السجن الاتحادي في كوبر، وذلك على شرف قرار إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين تم توقيفهم في الاحتجاجات الأخيرة التي قادتها المعارضة ضد الميزانية المجازة للعام 2018. كانت الرسالة بحروفها المحسوبة كافية لتحويل الأنظار إلى بحري حيث مبنى السجن الأكثر شهرة في البلاد، وبدا قبل السادسة وكأنه مسرحاً للانتظار الكبير بواسطة منسوبي المعارضة وأسر المعتقلين الذين حولوا الساحة أمام السجن لترديد صدى هتافاتهم المطالبة بالحرية والسلام والعدالة.
1
الإعلان المفاجئ بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بدا وكأنه يطرح سؤال هل نحن أمام مرحلة جديدة يتم من خلالها تمهيد الطريق أمام التعافي السياسي والوفاق الوطني، وبالطبع سؤال آخر يرتبط بالطريقة الجديدة التي سيتعامل بها مدير الجهاز العائد لمنصبه في ظهوره الأول وفي عملية التسليم والتسلم قال الفريق أول صلاح عبد الله إنه علينا أن نفكر خارج الصندوق وهو ما جعل الكثيرين يعتبرون أن هذه العبارة كانت المدخل الذي خرج عبره قيادات المعارضة من الاعتقال بغية فتح صفحة جديدة في الوطن. وبحسب ما نقلت مصادر فإن مدير جهاز الأمن قال إنه أستأذن رئيس الجمهورية في قرار إطلاق سراح المعتقلين من أجل تخفيف حدة الاحتقان السياسي بالبلاد، وهو ما حدث أمس بالفعل.
2
في باحة السجن التي كانت مزدحمة جداً بالحاضرين تأخر زمن انعقاد المؤتمر الصحفي الذي تمت الدعوة إليه قبل أن يدخل الفريق صلاح عبد الله إلى المكان بصحبة مساعد رئيس الجمهورية اللواء عبدالرحمن الصادق الذي تحدث لوسائل الإعلام وسط هتافات الجماهير المطالبة بالحرية، مؤكداً على أن قرار إطلاق السراح هو قرار شامل لم يستثنِ احداً من منسوبي القوى السياسية ممن شاركوا في الاحتجاجات وأنه شمل ايضاً طلاب الجامعات، وحدد الرقم الذي تم إطلاق سراحهم بأنهم يتجاوزون الثمانين معتقلاً، وان الهدف من ذلك هو تهيئة البيئة الداخلية من اجل مزيد من الاتفاق على كل القضايا الوطنية. المفارقة بدأت في أن احد مطلقي السراح من سجن كوبر أمس كان الصديق الصادق المهدي شقيق مساعد رئيس الجمهورية والقيادي في حزب الأمة القومي.
3
شملت قائمة المطلق سراحهم أمس كل المعتقلين في سجون الخرطوم الذين تم تجميعهم عقب صلاة المغرب أمس في سجن كوبر، وكان على رأس المغادرين من التوقيف الأمين العام لحزب الأمة سارة نقد الله، وابنتي رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ، والصحافية أمل هباني، وناهد جبر الله، وكل من الصادق الصديق المهدي، برمة ناصر، وعروة الصادق وآخرين. فيما تحفظت السلطات على كل من محمد مختار الخطيب السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني، وعمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني، والقيادي في الاتحادي أبو الحسن فرح، عقب ترحيلهم لسجن شالا بالفاشر، ومن المنتظر أن يطلق سراحهم اليوم كتأكيد على شمولية قرار إطلاق سراح كل الموقوفين من المعارضين على ذمة الاحتجاجات الأخيرة.
4
مثل من يحاول أن ينهي ساعات الانتظار التي بدأت رتيبة، انخرط المنتظرون أمام سجن كوبر أمس في هتافات على شاكلة التي سادت أيام الاحتجاجات التي دخلوا بسببها الحبس فيما ارتفعت زغاريد النساء.
وفي ذكرى رحيله السادسة كان أحد المترددين على السجن في حياته الفنان الراحل محمد وردي حاضرا عبر أصوات الشباب والشابات وهم يرددون نشيد أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باقٍ، كان النشيد ساعتها وكأنه استشراف للقادم في سودان ما بعد إطلاق سراح المعتقلين وإلى أي مدى يمكنه أن يكون مساحة لفتح صفحة جديدة بين الحكومة ومعارضيها.
في تعليقه لوسائل الإعلام يقول نائب رئيس حزب الأمة الفريق صديق بأن خطوة إطلاق سراح المعتقلين خطوة يمكن البناء عليها بغية الذهاب إلى المستقبل، لكن الأمر سيكون ناقصاً ما لم يصل الجميع إلى يقين بأن الاعتقال ليس هو الحل لمشكلات البلاد، ويردف الفريق نحن نقول إن الخط القومي هو الحل لكل مشاكل البلاد حين خرجنا تمسكنا بالسلمية وتجنبنا أي عمل غير قانوني، وأضاف ان جمع الصف وتوحيد كلمة الوطن هو الخيار لمعالجة الأزمة التي لا يمكن حلها بواسطة حزب أو فرد، وأردف: “نحن سعداء وهناك فرصة للجلوس في حوار شامل يضع العلاج الناجع لكل مشكلات البلاد”.
5
قرار إطلاق سراح المعتقلين أمس جعل البعض يعود الى التاريخ ويعقد مقارنة بين ما حدث اليوم وما حدث في العام 1997 حيث كانت الفترة التي وجد فيها اكبر عدد من السجناء داخل معتقلات، المقارنة تظهر هذه المرة معظم قيادات الصف الأول المعارض خلف القضبان، وأن قرار إطلاق سراحهم من شأنه أن يؤكد على أن الحكومة تحاول إعادة النظر في استراتيجيات التعاطي مع المشهد السياسي بعيداً عن زيادة حد الاحتقان وفتح الأبواب من أجل رصف طرق مغايرة للوصول الى حلول مرضية لكافة الأطراف، وبالطبع من أجل تلافي الخيارات الصفرية التي ستدفع فاتورتها البلاد في نهاية المطاف، بالطبع كان قرار إطلاق سراح المعتقلين من كوبر يعيد للأذهان ما حدث في الجارة إثيوبيا التي أصدرت قبل حوالى شهر قرارا بإغلاق أشهر سجن للمعتقلين السياسيين في البلاد وهو الأمر المنتظر حدوثه في السودان.
6
بحسب تصريحات مساعد رئيس الجمهورية اللواء عبدالرحمن الصادق عقب القرار الذي صدر، أنه لا يوجد معتقل سياسي في طول البلاد وعرضها، ويعد خلو السجون من معتقلي الرأي خطوة تحسب لصالح الحكومة في سعيها من أجل تسويق نفسها خارجياً، خصوصاً في أعقاب ارتفاع أصوات الشجب والإدانة التي يوقع عليها سفراء دول الاتحاد الأوربي، وبالطبع البيان الصادر من سفارة الولايات المتحدة امس بالخرطوم وهي تحض الحكومة على عدم التعامل مع الاحتجاجات الشعبية بالقمع وضرورة إطلاق سراح الموقوفين في الاحتجاجات السابقة، لكن بحسب مسؤولين فإن قرار اطلاق سراح المعتقلين ليس المقصود به المجتمع الدولي وإنما هو قرار يهدف بشكل رئيس لتهيئة اجواء الداخل وخلق حالة من الاتفاق بين المكونات الوطنية في ظل ظروف بالغة التعقيد تمر بها البلاد حالياً. في السياق نفسه يرحب رئيس كتلة حزب المؤتمر الشعبي بالبرلمان كمال عمر بخطوة السلطات بإطلاق سراح المعتقلين وهي الخطوة التي طالب بها حزبه وانتظرها من أجل المساهمة في تهيئة المناخ الوطني لتحقيق تطلعات المواطنين، ويردف عمر: أتمنى أن تكون هذه الخطوة مدخلا لإذابة جليد الخلاف والمواجهات بين الحكومة والمعارضة بكافة تصنيفاتها، باعتبار أن البلاد لا تحتمل المزيد من التشاكس الذي سيقود للمزيد من التشظي.
الخارجون من المعتقلات أمس بدوا في حالة معنوية جيدة وعقب مغادرتهم بوابة كوبر الضيقة، رددوا ذات الهتافات السابقة وكأنهم يعلنون الاستمرار في معادلة المواجهة من أجل مستقبل أفضل، فهل تسبقهم الحكومة في تهيئة مناخ المستقبل أم يعودوا لذات ماضي الصراع؟.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي