السودان الان

“مصر تتغير” في استاد القاهرة تخرج النغمة “السودان لمصر ومصر للسودان”.. تتغير قواعد اللعبة من قمة المواجهة لرسم مستقبل يسوده التعاون لينطلق السؤال، ما الذي تبدل في الأيام الفائتة وما هي مطلوبات كل طرف من الآخر؟

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – الزين عثمان
السودان في قلب استاد القاهرة ربما من اللحظات النادرة أن لا يكون للحضور هذه المرة علاقة بمباراة في كرة القدم قد تتحول إلى معركة لم يكن يوقع ساعتها على اللحظة الفريق القومي، وبالطبع غاب الهلال ولم يحضر المريخ ولا هلال التبلدي ولا أهلي شندي، وبالطبع غاب الأهلي والزمالك، حالة التنافس تنتقل أيضاً لحالة من التواصل والتعاون ورددتها مكبرات الصوت وهي ترسل ذبذباتها الملحنة (أن مصر للسودان والسودان لمصر)، وما يدلل على ذلك أن التغيير في مشهد وجود السودان باستاد القاهرة ارتبط هذه المرة بمشاركة رئيس الجمهورية المشير البشير في احتفالات يوم الأسرة المصرية والذي خاطب المحتشدين ليلتها بعبارة أن السودان ومصر أخوة، وأن العلاقات التي تغذيها وشائج القربى منذ فجر التاريخ ستمضي للأمام وتتجاوز كافة العقبات فيما رد الفريق السيسي على ضيف بلاده بقوله إن البشير صديق عزيز، فيما انتهت خلاصة الأمر إلى نتيجة واحدة مفادها أن الواقع يتغير وأن لعبة المواجهة بين الجارتين لم تعد ذات جدوى وأن ثمة مشهدا جديدا يتم رسمه، ما اعتبره البعض تغيراً في الواقع الثنائي، اختصره البعض في عبارة مصر تتغير لكن لماذا؟
1
في ليلة الزيارة بدت القنوات الإعلامية المصرية في حالة احتفاء منقطع النظير بها، حيث وصل الاهتمام بها إلى قمته ولم ينحصر الأمر في التغطية الإعلامية وإنما في طريقتها، فقد رسم من كانوا يهاجمون السودان ورئيسه بالأمس صورة مغايرة تماماً وهو ما دفع البعض للتساؤل: هل بدأ ميثاق التهدئة الإعلامية بين البلدين ينفذ عقب اجتماع قيادات أمن البلدين وإصدار الخرطوم مطالبة لإعلامها بانتهاج التهدئة حين يتعلق الأمر بالجارة الشمالية، في كل الأحوال فإن الخطاب الجديد المتداول في الإعلام يعبر أيضاً عن حالة التحولات في طبيعة التواصل، فطوال عام ونصف العام ظلت العلاقات بين السودان ومصر تشهد تجاذبات في جهات متعددة حلايب والتبادلات التجارية والموقف من سد النهضة، إلى أن انتهت بسحب السودان سفيره من القاهرة وهي أمور يقول البعض إنها صارت الآن من التاريخ وإن مشهد المستقبل مغاير تماماً، مستقبل بدأ تدشينه منذ الصباح الباكر حين أعلنت الطوارئ في مطار القاهرة من أجل استقبال الرئيس السوداني.
2
لكن يبقى السؤال حاضراً ما الذي تغير في الأيام الفائتة؟ قبل وصول البشير للقاهرة كانت وسائل إعلام تنقل خبراً مفاده أن ثمة اتفاقا بين السودان ومصر لمعالجة مشكلة حلايب في إطار الاتفاق على عملية إدارة مشتركة للمنطقة المتنازع عليها، المقترح الذي قيل أنه تم تقديمه من وكالة الاستخبارات الأمريكية في إطار وساطة لمعالجة الأزمة يقرأه الكثيرون بأنه يصلح ليكون مفتاحا من أجل قراءة التحولات برمتها، وهو ما يشير لرغبة دولية في وضع نهاية لمسألة التصعيد بين السودان ومصر في ظل واقع إقليمي على درجة بالغة من التعقيد ولا تحتمل نزاعا جديدا في دول ينظر لها في الخارطة الدولية بأنها من الممكن أن تكون مرتكز الاستقرار في الإقليم برمته، وهو ما يجعل البعض يرى أن الوساطة الأمريكية قد تتوافق ومواقف دول أخرى تمضي في ذات الاتجاه وتحديداً دول الخليج التي تعيش تقارباً مع القاهرة وتسعى جاهدة لعدم فقدان مؤشر التأثير الخرطومي.
3
بالنسبة لمراقبين فإن التحول في مشهد العلاقات السودانية المصرية يعود في الأساس لرغبة مصرية في استمرار الاستقرار وهو ما يتبدى في أن البشير هو أول رئيس تطأ أقدامه مصر قبل انطلاق الفترة الرئاسية الجديدة للفريق السيسي، وبحسب ما يرى الكثيرون فإن السودان من شأنه أن يلعب دوراً كبيراً في تحقيق هذا الجانب، وهو ما يرتبط بالاتفاقات المتعلقة بوقف تبادل دعم المعارضة في البلدين، ورغم أن الخرطوم تؤكد على عدم وجود أي من معارضي النظام المصري في الخرطوم وتحديداً الإخوان المسلمين، الخطوة المصرية في التقارب مع السودان هدفها الرئيس إيجاد دعم للرئيس عبد الفتاح السيسي في دورته الجديدة من السودان، خصوصاً وأن الأخير يرتبط بعدة ملفات تتعلق بالأمن القومي المصري وعلى رأسها سد النهضة، وهو ما يؤكد على فرضية رئيسة مفادها أن استقرار مصر يمر عبر السودان الذي يؤكد بدوره على موقفه مما يتعلق بمسارات التفاوض في سد النهضة، وبالتأكيد على كامل حقوقه في منطقة حلايب دون تنازلات.
4
لكن بالطبع فإن التحولات في المشهد المصري الذي جعله يبحث التقارب مع السودان تبدو في جانبها الآخر وكأنها تُقرأ من دفتر ما الذي يستفيده السودان في حال حقق تقارباً مع مصر؟ الأمر يُقرأ هنا في سياق البحث الخرطومي الحثيث عن رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو القرار الذي ينتظر أن تمهره السلطات الأمريكية ما يجعله قريباً الآن هو التسريب الذي يشير لوساطة من وكالة الاستخبارات الأمريكية في ما يتعلق بمثلث حلايب ما يزيد من احتمالية تحقق تلك الغاية في رفع السودان من القائمة السوداء هو أن العلاقات بين البلدين صارت ترسم وبشكل كبير في أضابير أجهزة المخابرات، وهو ما تدلل عليه الزيارة الخاطفة التي قام بها رئيس المخابرات المصرية للخرطوم والتي كانت من مخرجاتها زيارة الرئيس، رغم أن ما حدث هناك ظل طي الكتمان مع بحثه عن التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن السودان بالمقابل يسعى لمزيد من تمتين علاقاته مع الخليج الذي يدعم حكومة السيسي في القاهرة باعتبارها منصة لمحاربة الإخوان المسلمين ومنعهم من التمدد في المنطقة.
5
لا يخلو ملف الخرطوم في تقاربها مع القاهرة من سعي لأجل تحقيق الاستقرار الداخلي ومعالجة الأزمات الداخلية، وذلك من خلال إيقاف النشاط المعارض المتمدد ضد الحكومة وتمثل القاهرة أحد مراكز تجمع المعارضة السودانية، وفي وقت سابق كان سفير الخرطوم بالقاهرة عبدالحليم عبد المحمود كان قد قال إن حكومته سلمت السلطات المصرية قائمة بعدد من المطلوبين ممن يقيمون في الأراضي المصرية والذي يعني تسليمه للخرطوم نجاحها وبحد كبير في تجاوز الكثير من القلاقل التي يسببونها لها، لكن لا أحد يمكنه الجزم بإمكانية حدوث ذلك لصعوبة أن تتنازل القاهرة عن أحد الملفات المهمة في يدها والتي بدأت منذ عهد الرئيس الأسبق أنور السادات لكل ذلك لا يمنع أن ثمة مكاسب حققتها الخرطوم في الأيام الفائتة ومنها إصدار قرار مصري بإيقاف بث إذاعة دبنقا المعارضة في القمر الصناعي نايل سات، وهي الخطوة التي تجعل الخرطوم تؤمل في المزيد من الخطوات المماثلة في فترة السيسي الجديدة.
6
لكن التحولات في مشهد الخرطوم والقاهرة من حالة القطيعة لحالة التواصل وتمتين أواصر التعاون يرى البعض أنه يأتي في سياق معادلة الهروب من الأزمات بعد زيادة حدتها، فقبل حوالى شهرين كانت الأمور في قمة توتراتها حين أشارت دوائر في الخرطوم لنشاط على الحدود مع إريتريا، تشارك فيه قوات مصرية وهو ما أدى لاحقاً لقرار إغلاق الحدود مع أسمرا قبل أن تعود السلطات لتعلن فتحها مرة أخرى، ما جرى يومها اعتبره البعض محاولة من الحكومة لإنتاج عدو خارجي يساهم بشكل أو بآخر في تجاوز أزمات الداخل الاقتصادية عقب إعلان موازنة حفلت بمجموعة من الصعوبات على المواطنين وعبرت عن حالة من العجز. الأزمة الاقتصادية في السودان تقابلها أزمة أخرى في مصر.. التراجع في الجنيه السوداني يشبه التراجع في الجنيه المصري وبالطبع فإن محاولات البحث عن طوق نجاة بضخ المزيد من الأموال في خزائن البنوك المركزية هنا وهناك، عجل من اتخاذ خطوة التقارب وأكد ايضاً على أن التغيير هو مطلوب اللحظة، وأن التقارب هو الحل الناجع للأزمات، لكن يظل السؤال هل ستستمر الحكومتان في هذا المسار أم أن تحولاً جديداً يمكنه أن يعيد المباراة إلى نقطة بداية الصراع؟.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي